Sunday, March 2, 2014

Perspectives on Political Legitimacy: Towards a New Approach إشكالية الشرعية السياسية نحو مقاربة جديدة

Guest contributor, Dr. Abdel Sittar al-Jumailee, is Professor of International Law, and President of Samarra University, Samarra, Iraq, and General Secretary of the Nasserist Socialist Vanguard
Party in Iraq

 إشكالية الشرعية السياسية
نحو مقاربة جديدة
                                   د.عبد الستار الجميلي*
 في الساحة السياسية والفكرية العربية هناك الكثير من المفاهيم والمصطلحات والمعايير الملتبسة وغير المحددة لأسباب كثيرة ، تاريخية واجتماعية وثقافية ومعرفية، وفي مقدمة هذه المفاهيم : الشرعية السياسية كمفهوم ومصطلح ومعيار، التي تحولت مع كثرة ترديدها والاحتجاج بها والتلاعب بها الى إشكالية وسيف مسلط على إرادة الشعوب ،وغطاء يتستر به الاستبداد "الديمقراطي " للأفراد والجماعات والتيارات والدول ..ويأتي الحديث عن هذه الاشكالية،في مواجهة ظاهرة مستفزة طغت على المشهد السياسي العربي ألا وهي التوظيف السياسي لمفهوم الشرعية السياسية من قبل بعض الأطراف الدولية والاقليمية والمحلية بعد ثورة 30 يونيو(حزيران) 2013،التي أسقط خلالها الشعب العربي المصري بارادته الشعبية التي تجاوزت أكثر من ثلاثين مليون مواطن نزلوا الى الميادين والشوارع كافة في العاصمة وفي جميع المدن والقرى المصرية حتى النائية منها،أسقط حكم الإخوان وعزل د.محمد مرسي الرئيس الإخواني، حيث سارعت هذه الأطراف الى إبداء ردود فعل معادية مباشرة لارادة الشعب العربي المصري الثورية، وفي مقدمة هذه الأطراف: أمريكا والكيان الصهيوني والاتحاد الأوربي وبعض الدول والجماعات الاقليمية (تركيا وايران، والاتحاد الأفريقي) والعربية (قطر وتونس وحماس في المقدمة) والاخوان وإمتداداتهم، وبتناغم وتماهي كامل ،ملفت للنظر ومثير للتسائل والشك المشروعين .. وكان العنوان الرئيس لخطاب رد الفعل ،التركيز على الشرعية السياسية للرئيس المعزول الذي جاء عن طريق صندوق الانتخابات،والحديث عن ضرب الإسلام والمسلمين ؟؟!! وبالتالي توصيف ما حدث على أنه "انقلاب " من قبل الجيش والشعب العربي المصري على الديمقراطية والرئيس المنتخب ،وتهديد مصر بالتدخل الخارجي وقطع المعونة ،وتفعيل الارهاب في سيناء ومصر عموما، وتكفير الجيش والشعب في مصر، والقيام بسلسلة من الاعتصامات والتظاهرات العنيفة المسلحة وعمليات الخطف والقتل ضد المواطنين والمؤسسات العامة والخاصة، وحرق وسرقة مراكز الشرطة وأسلحتها والجوامع والكنائس والمساكن والمحلات والشركات والتراث الفكرى للمفكرين والشخصيات العامة المصرية، ومحاولات قطع الطرق والمترو والسكك الحديدية وتعطيل الدوام في الجامعات والمدارس ،وكلّ هذه الممارسات المحلية والدولية والإقليمية وغيرها الكثير من الجرائم هي فيما يبدو تمثل الشرعية والآليات والسلوك الديمقراطي وحقوق الانسان عند هذه الأطراف؟؟؟!!! ..لذلك وأزاء هذه الاشكالية والالتباس والخلط المتعمد للمفاهيم والممارسات والغطاءات،لابد من تقديم مقاربة جديدة لمفهوم ومصطلح ومعيار الشرعية التقليدية التي جرى التلاعب بها وتوظيفها سياسيا لتمرير شتى المشاريع والانتهاكات والتجاوزات على حساب إرادة الشعوب الحقيقية ومصائرها والمصالح العليا للدول.
     ودون الخوض في تفاصيل الخلفية التاريخية للشرعية السياسية كمفهوم ومصطلح ومعيار، والتعريفات التي قدمت لها من النواحي السياسية والقانونية، فإنّ الشرعية السياسية جرى توصيفها وإختصارها معرفيا وسياسيا وقانونيا برضا الأغلبية التي تعبر عنه صناديق الانتخابات وهي المعيار الديمقراطي الوحيد للشرعية ،أما ما سيحدث بعد القبض على السلطة فأمر مسكوت عنه ديمقراطيا لدى هذه الأطراف بغض النظر عن الأخطاء والخطايا والجرائم التي ترتكب من قبل أفراد وجماعات ودول الاستبداد "الديمقراطي"..لذلك فإن المفهوم الديمقراطي الحقيقي للشرعية السياسية كما نعتقد، الذي سنقدمه في هذه المقاربة الجديدة، نؤسسه على مرحلتين:
     المرحلة الأولى - الشرعية السياسية السابقة : يحدد هذه الشرعية رضا الأغلبية عبر صناديق الانتخابات في إطار آلية إنتخابات نزيهة ومحايدة وإقتراع سري مباشر، وعملية ديمقراطية شاملة للمواطنين جميعا بكل تياراتهم السياسية والاجتماعية بدون إقصاء أو عزل أو إجتثاث أو أية مفاهيم أخرى تحول دون ممارسة المواطنين حقوقهم المدنية والسياسية وفي مقدمتها حق الانتخاب والترشح للمناصب السيادية والتشريعية والتنفيذية..وفي إطار هذه المرحلة من يحوز على رضا الشعب عبر حصوله على الأغلبية السياسية من خلال صناديق الانتخابات وفي إطار هذه المعايير يحوز في نفس الوقت على الشرعية السياسية السابقة ، وهذه مرحلة تمنحه حقوقا أكثر مما ترتب عليه واجبات والتزامات وفي مقدمة هذه الحقوق وصف مركزه القانوني والسياسي بالشرعي، ولكن في إطار هذه المرحلة وحدها فقط،  وحتى يحوز على الشرعية السياسية الكاملة فلابد له أن يحوز على الشرعية في المرحلة الثانية.
     المرحلة الثانية - الشرعية السياسية اللاحقة : وهذه المرحلة هي الأهم لأنها ترتب ديمقراطيا على من حاز على الشرعية السابقة واجبات والتزامات أكثر مما تمنحه حقوقا،ومن يف بهذه الواجبات والالتزامات بحدود معقولة ومقبولة يحوز على الشرعية السياسية اللاحقة، وفي مقدمة هذه الواجبات والالتزامات:
     اولا-الواجبات والالتزامات المحددة في الدستور أو الاعلان الدستوري والقوانين الأخرى ذات الصلة : جميع الدساتير والاعلانات والقوانين ذات الصلة بمضامينها، ترتب على عاتق جميع من يصل الى المناصب السيادية والتشريعية والتنفيذية عن طريق آلية الانتخاب الديمقراطية مجموعة من الواجبات والالتزامات التي يجب الوفاء بها من قبل المخاطب بها.. وبغض النظر عن مضامين وحدود هذه الواجبات والالتزامات فان مناط الشرعية اللاحقة في هذه الجزيئة متوقف على الوفاء بهذه الواجبات والالتزامات، وأي انحراف عنها أو انتهاكها أو إستخفاف بها أو التهوين من شأنها وعدم إحترامها، تنزع الشرعية اللاحقة عمّن يخلّ بها وتضعه تحت طائلة المسؤولية والحساب والعقاب في إطار سيادة القانون الشاملة للحكام والمحكومين،وتدخلة مباشرة في دائرة الاستبداد وتجلياتها المتعددة، وفي مقدمة هذه الواجبات والالتزامات: الحفاظ على سلامة الدولة وأراضيها وسيادتها واستقلالها وأمنها الوطني،واحترام العملية الديمقراطية وقواعد التداول السلمي للسلطة، والحقوق والحريات العامة والخاصة ،والرموز الوطنية والاعتبارية كالعلم والسلام الوطني ومؤسسات الدولة، والحفاظ على الدستور نفسه،...والخ من الواجبات والالتزامات..
    ثانيا-البرنامج الانتخابي: يعتقد البعض أنّ البرامج الانتخابية التي يقدمها المرشحون مجرد مسألة نظرية روتينية ،جلّها مكر وخديعة وتكتيك وعلاقات عامة للوصول الى الهدف الحقيقي الذي يكمن خلف كلّ البرامج وهو الوصول الى السلطة وتوظيفها لتحقيق الأهداف المضمرة غير المعلنة لأصحابها،وبالتالي يمكن لأي كان أن يملأ هذه البرامج بما يشاء من المفردات والجمل البلاغية والتعبيرات الانشائية الجمالية والوعود الوردية،وهذا إعتقاد خاطئ وخطير لأنه يبسط الموضوع ويستهين به ويخرجه من دائرة الشرعية والمسؤولية،فالبرنامج الانتخابي هو اخطر من أن يكون مجرد مسالة نظرية روتينية فهو بالأصل محاكاة وترجمة لأهداف وتطلعات ومطالب إرادة الشعوب وحقوقهم ومصالحهم العليا ومصائرهم، وبالتالي فان مناط الشرعية في هذه الجزئية هو مدى إحترام صاحب البرنامج لوعوده التي قطعها فيه والتي فاز في الانتخابات بموجبها كأحد العوامل الرئيسة، فاذا ما أخلّ بهذه الوعود وأظهر ما يخالفها روحا ونصا، فانه يفقد معيارا أساسيا من معايير الشرعية السياسية اللاحقة،ويدخله الى جانب دائرة الاستبداد ،الى دائرة خيانة الأمانة وعدم الثقة وخداع الشعب وغيرها من الاتهامات القيمية التي لا تطال الشرعية السياسية وحدها ولكنها تطال الذمة الشخصية  لمدعي الشرعية نفسه.
     ثالثا- الادراك الوطني والسياسي الشامل : طرح الادراك في هذه الجزئية يخرجه من المفهوم المنطقي والفلسفي المجرد، الى السلوك العملي لصاحب الادراك والتقييم على أساسه من زاوية الشرعية السياسية اللاحقة ، وفي هذا الاطار فان الادراك هنا يتوزع على ثلاث محاور أساسية:
1-     المحددات الداخلية والخارجية : لكل دولة محددات داخلية وخارجية تضع إطارا عاما لإدراك وحركة الحكام والمحكومين معا ،وفي مقدمة هذه المحددات : الهوية الوطنية والقومية والروحية والحضارية والثقافية ،والأوضاع  الديمغرافية والجغرافية والنظام العام والآداب والمصالح العليا التي تنبع من السياق التاريخي والمجتمعي ،والموارد المتاحة والمحتملة وطرق استثمارها وتوزيعها ،والطبيعة العامة النظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي وغيرها من المحددات..ومن المحددات الرئيسة على الصعيد الخارجي الوضع الاقليمي للدولة وموازين القوى فيه من حيث العلاقات التعاونية والصراعية ،وطبيعة النظام الدولي وهيكل موازينه ومعاييره وموقع الدولة في هذا النظام..وبالتالي فان الشرعية اللاحقة تتمثل بادراك مسئول لهذه المحددات الداخلية والخارجية ، ورسم الحركة السياسية من قبل الشخصية المنتخبة في ضوء هذه المحددات ، وأي إخلال أو تجاوز مؤثر لهذه المحددات او محاولة تجاوزها أو العمل على إضعافها يخرج هذا الشخص من دائرة الشرعية اللاحقة
2-     عدم الخلط بين الدولة والنظام : الدولة في المفهوم السياسي والدستوري والقانوني ، هي نتاج تفاعل وتكامل ثلاثة عناصر رئيسة :الشعب ،الاقليم ،والحكومة أو السلطة اللصيقة بالسيادة ،.وفي المفهوم الوظيفي ،الدولة عبارة عن إدارة وخدمات . وكلا المفهومان يشتركان في توصيف الدولة ككيان ومجتمع ،ويتجسدان في نوعين من المؤسسات ،إحداهما تنتمي الى الدولة ككيان ومجتمع ،والكيان والمجتمع بطبيعتهما ودورهما وأهدافهما وتوصيفهما القانوني والسياسي والاجتماعي يتميزان بديمومة وبقاء نسبيين ،وثانيتهما تنتمي الى الأنظمة السياسية بكل أشكالها وأنواعها ،والأنظمة بطبيعتها وتجاربها متغيرة . ما يعني أنّ الدولة ككيان ومجتمع بمؤسساتهما باقيان وإن تغيرت الأنظمة شكلا أو مضمونا ،وبالتالي ينبغي دائما عدم الخلط المتعسف بين الدولة والنظام وإن كان هناك نوع من الاقتراب في الدورات الانتخابية تحتمها نتائج الانتخابات في تشكيل الحكومة وطبيعة النظام الذي تمثله ،لكن هذا الاقتراب لا يبيح لمن يصلون الى السلطة عن طريق الانتخابات بالاستيلاء على الدولة ومؤسساتها وطبعها بالتوجهات الخاصة لهم،ولكن يجب أن يكون هناك ادراك دقيق بضرورة عدم الخلط بين الدولة وبين النظام المرتبط وجوده ووظيفته واستمراره بتحقيق مصالح وأهداف الدولة ككيان ومجتمع ومؤسسات،وهذا أمر يعدّ من العناصر الأساسية للشرعية اللاحقة وأي محاولة مباشرة أو غير مباشرة " لأنظمة " ** الدولة وطبعها بطابع النظام يصيب الشرعية اللاحقة لمن يصل للسلطة عن طريق الانتخاب في الصميم ويجرده الى حدّ كبير من إدعاء هذه الشرعية.
3-     احترام العملية السياسية وقواعدها : في أي نظام سياسي ديمقراطي يقوم على التداول السلمي للسلطة ،هناك قواعد للعمل السياسي تقوم على القبول المتبادل والاحتكام الى رضا الشعب عبر الصناديق وفق نظام انتخابي محدد ودورات انتخابية مقننة بفترات زمنية محددة ،والفصل بين السلطات ،واحترام الحقوق السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية ، وغيرها الكثير من القواعد المعروفة في أيّ عملية سياسية ديمقراطية سليمة ،ويجب على من يدعي الشرعية احترام هذه القواعد التي أوصلته الى السلطة عبر الانتخابات وهي واجب والتزام يقعان على عاتقه ومن موجبات مناط الشرعية اللاحقة ،وعليه أن يطبقها على نفسه أولا قبل أن يطلبها من الآخرين ،وأي إخلال بها تحت أيّ مبرر يجرد من يصل الى السلطة عن طريق الانتخاب من الشرعية السياسية بمرحلتيها السابقة واللاحقة بشكل كامل.
     وتأسيسا على ذلك كله ،فان الاخلال بالشرعية بمرحلتيها السابقة واللاحقة يفتح الباب واسعا أمام شرعية أخرى ذات أهمية قصوى في إحداث التحولات الكبرى في التاريخ ،وهي "الشرعية الثورية "،وهو ما حققه الشعب العربي المصري العظيم في ثورة 30 يونيو (حزيران) بكل المعايير السياسية والقانونية والتاريخية للشرعية الثورية ،التي يؤكدها أيّ تطبيق لمعايير الشرعية السياسية بمرحلتيها السابقة واللاحقة على فترة حكم الرئيس الاخواني المعزول التي تثبت بما لا يدع أي مجال للشك حجم ونوع الانتهاكات والانحرافات الجسيمة والمتكررة لكل مفردات الشرعية السياسية السابقة واللاحقة معا والاستخفاف بها وعدم احترامها ،ما أكد ويؤكد حقيقة "ديمقراطية الدورة الواحدة "  اللصيقة بتيار سياسي ادعى ويدعي احتكار الحقيقة الدينية والدنيوية والحق الإلهي المزعوم بهدف فرض حالة استبداد جديدة من الإرهاب الفكري والمادي والثأري المغلّف بفقه وحاكمية التكفير والإقصاء والاستقواء بالخارج واستدعاء الاحتلال الأجنبي ،في ظل غياب البرامج السياسية والاجتماعية الوطنية والديمقراطية الواضحة لهذا التيار .. ومن جهة أخرى آمل من خلال هذه المقاربة الجديدة للشرعية السياسية السابقة واللاحقة إثارة النقاش حول مفهوم الشرعية الذي بات سيفا مسلطا على ارادة الشعوب لصالح الاستبداد " الديمقراطي " للأفراد والجماعات والتيارات على مستوى الأوطان ، والهيمنة والاحتكار والاحتلال على مستوى الدول والعلاقات الدولية.

* الأمين العام للحزب الطليعي الاشتراكي الناصري في العراق، استاذ قانون دولي. رئيس جامعة سامراء
** من النظام.

No comments:

Post a Comment