Below is the Arabic translation of my post, “Terrorism,
Sectarianism and United States Foreign Policy in Iraq and Syria,” in the Iraqi
newspaper, al-MADA, June 14, 2015
http://linkis.com/www.almadapaper.net/9KIIS
http://linkis.com/www.almadapaper.net/9KIIS
ما الدور الذي تلعبه الولايات المتحدة في انتشار الطائفية في الشرق الأوسط؟
كشرط مسبق علينا ان نؤكد بأن الولايات المتحدة ليست هي من ولّدت الطائفية في الشرق الأوسط. لكن مع هذا فانها شاركت في خطيئة "سكب الزيت على النار". للأسف، فان الكثير من قرارات السياسة الخارجية الأميركية في الشرق الأوسط عملت على ترويج الهويات الطائفية. على هذا فان الطائفية هي ليست ظاهرة سياسية "مغلقة بإحكام"، و انما هي ظاهرة تغذّت و ازدهرت داخل بلدان المنطقة على يد قوات من خارجها.
قبل عدة سنوات كتب جورج سانتيانا يقول "اولئك الذين لا يستطيعون تذكّر الماضي محكوم عليهم بتكراره". رغم العرض الذي يقدمه الكثير من محللي السياسة الخارجية الأميركية، فان التاريخ ليس "ماء يجري تحت الجسر" و انما هو مصحّح للسياسة الحالية من خلال تجنّب تكرار الأخطاء السابقة. الذين لا يعتقدون بأهمية التاريخ عليهم ان يتذكروا المقولة: "الجنون هو ان تقوم بنفس الشيء مرارا و تكرارا و تتوقع نتائج مختلفة".
درس التاريخ مهم هنا. أحد المصادر الرئيسية
للطائفية الحالية و الذي تروّج له مجموعة متنوعة من القوى السياسية في
الشرق الأوسط اليوم هو الدعم الأميركي بعيد المدى لشاه إيران محمد رضا
بهلوي. بعد ان تخلّى الشاه عن السلطة بسبب ضغوط قومية عام 1951 ، نظمت
الولايات المتحدة إنقلاباً أعاده للسلطة في 1953 . من 1953 و حتى سقوطه
أواخر 1978 ، بنى الشاه نظاما ساد فيه التعذيب كأسلوب لحكمه، كان الفلاحون
مجبرين على التخلي عن أراضيهم بإسم "استصلاح الأراضي" و ازدهرت "نخبة
البلاط" في حين بقيت بقية البلاد على حالها. عندما انتفض الإيرانيون ضده في
1978 ، لم تكن غايتهم إستبدال نظام إستبدادي آخر - يكمن اليوم في الزي شبه
الديني - بحكم الشاه، و انما لتأسيس حكومة ديمقراطية تأخذ إحتياجات الشعب
الإجتماعية على محمل الجد. بصرف النظر عن الجهود الموجزة لإدارة كنيدي في
جعل الشاه يقوم بإصلاحات إجتماعية كجزء من حملتها " التحالف من أجل التقدم "
،
فقد سمحت الولايات المتحدة للشاه بالإستمرار في إسلوبه القمعي. لنا ان
نتصور ما كان سيحدث لو ان الولايات المتحدة ضغطت بقوة على الشاه، الذي كان
يعتمد بالكامل على المساعدة العسكرية الأميركية و على الإستثمارات الغربية
في التنمية الإقتصادية الإيرانية ، لتنفيذ إصلاحات ديمقراطية و إجتماعية.
كيف كان سيبدو الشرق الأوسط اليوم لو ان آية الله الخميني و زمرته القمعية
من رجال الدين و الحرس الثوري لم تتمكن من الوصول الى السلطة و إقامة ما
يسمى بجمهورية إيران الإسلامية؟ أولا، ما كان نظام صدام البعثي قد إجتاح
إيران في أيلول 1980 لأنه لم يكن يجرؤ على تحدي قوات الشاه المسلحة خاصةُ
طائرات اف - 14 الأميركية المقاتلة (توم كات) . ثانيا، ما كان هناك دافع
لنظام صدام العلماني للبدء بتحشيد الدعم من بين الإسلاميين في سنوات
الثمانينات لموازنة الشعور بمعاداة الإمبريالية التي إتبعها نظام خميني، و
هي سياسة جاءت بنتائج عكسية في نهاية المطاف . ثالثا، ما كانت هناك حرب
الخليج في ك2 1991 أو آذار 1991 التي أثارت إنتفاضة الشيعة في جنوب و سط و
جنوب العراق (و الكرد في الشمال الشرقي) ضد نظام صدام. في حين ان القوات
التي باغتت الإنتفاضة في الجنوب كانت معظمها من الشيعة، فان الأحداث التي
أعقبت حرب الخليج قوّضت الوطنية العراقية.
مع قمع إنتفاضة 1991 و فرض عقوبات الأمم
المتحدة و تنفيذ صدام لما يسمى بالحملة الإيمانية في 1993 ، فقد شجّع
النظام على طائفية ضمنية كجزء من ستراتيجية "فرّق تسد" كرد فعل على ضعفه .
عقوبات الأمم المتحدة المدمرة إقتصاديا و إجتماعيا و سياسات صدام، دفعت
العراقيين للتفكير بشكل متزايد بالهويات المحلية المرتبطة بالطائفة أو
العرق.
لم يسع الإجتياح الأميركي للعراق في 2003 الى
توظيف قيادة سياسية عراقية جديدة كانت باقية في العراق في ظل النظام
البعثي، و بدلا من ذلك إعتمد على ما يسميه طارق اسماعيل و غيره
"المستفيدين" الذين جعلوا ترويج الطائفية سياسة قائمة خدمة لمصالحهم
الضيقة. عندما رأت النخبة السياسية العراقية ان السياسة الطائفية أصبحت هي
السائدة ما بعد صدام، قاموا بإتباعها إنتقاما، و مرة أخرى وقفت الولايات
المتحدة موقفا سلبيا و لم تحرّك ساكنا. حلّ الجيش العراقي في مايس 2003 – و
هو أحد التشريعات الأولى لسلطة الإئتلاف المؤقتة – ألغى جيشاً كان يمتلك
قوات قتالية مهنية صلبة من كل الأعراق. مع ان بعض الضباط كانوا يدعمون
صدام، فان أغلب شرائح الجيش كانت تكره النظام بسبب موقفه المتعالي منها و
بسبب تدني الرواتب و التجهيزات دون المستوى بالمقارنة مع وحدات النخبة مثل
الحرس الجمهوري و الحرس الجمهوري الخاص.
كان اختيار نوري المالكي، غير المعروف و غير
المجرّب، ليصبح رئيسا للوزراء في 2006 يعكس يأس إدارة بوش من استبدال رئيس
الوزراء حينها إبراهيم الجعفري الذي كانت تراه غير فعّال. مع ان المالكي
تمكّن من قمع جيش المهدي في 2008 ، فسرعان ما تبيّن انه رجل طائفي حتى
النخاع. رغم نصيحة مستشاريه بسحب الدعم الأميركي عنه، فقد أصرّ جورج بوش
على الإستمرار بدعمه كرئيس للوزراء. عندما فاز السياسي العلماني الشيعي
إياد علاوي في الإنتخابات الوطنية في آذار 2010 ، رفضت إدارة أوباما دعمه. و
خوفا من ان تثير وطنية علاوي العلمانية القوية (التي كانت وراء فوزه
بالكثير من الأصوات) غضب إيران و تقودها الى التسبب بالمزيد من الأذى في
العراق، فقد طبخ أوباما إجراءً لحفظ ماء الوجه يصبح فيه علاوي رئيسا لمجلس
مستحدث لشؤون الأمن الوطني و يسيطر على وزارات الداخلية و الدفاع.
لم تكن الولايات المتحدة جادة أبداً بشأن
تنفيذ هذه الخطة. وافق المالكي عليها لكنه سرعان ما تخلى عنها بعد حصوله
على ولاية ثانية كرئيس للوزراء، و لم تأت إدارة أوباما على ذكرها مرة أخرى.
ان كانت إدارة بوش قد سهّلت صعود سياسيين طائفيين بعد إجتياح 2003 ، فان
إدارة أوباما قد فاقمت هذه السياسة التدميرية. عندما بدأ المالكي ببيع
المناصب داخل صفوف الجيش، إضطر آلاف الجنود الى إعطاء جزء من رواتبهم
لضباطهم، و أعطيت القوات العراقية (معظمها من الشيعة) الكارت الأخضر
لابتزاز السكّان المحليين في الشوارع، و أخذت الطائفية تتصاعد.لو كانت
إدارة اوباما قد قمعت هذه الأفعال – كما فعلت بعد ان سيطرت داعش على الموصل
و غيرها في حزيران 2014 عندما رفضت توفير الدعم العسكري ما لم تتم تنحية
المالكي – لما كانت مجموعة داعش تسيطر على ثلث مساحة العراق اليوم، و لما
كان مقاتلوها (800 – 1000) بأسلحتهم الخفيفة يتحولون الى جيش من 30 ألف
مقاتل يمتلكون أسلحة أميركية متطورة.
في سوريا، وقفت إدارة أوباما موقفا سلبيا في
2011 و ما بعدها عندما حوّل النظام الوحشي للأسد الاحتجاجات الديمقراطية
السلمية الى حرب أهلية طائفية . ركّز جيش الأسد هجماته على القوى
الديمقراطية التي كانت تتلقى دعما قليلا من الولايات المتحدة و الغرب،
بينما كانت توفّر الدعم الحقيقي للإسلاميين المتطرفين؛ أي مقايضة الأسلحة
مقابل النفط مع جبهة النصرة و داعش. بهذا الشكل حوّل النظام البعثي الصراع
الى صراع يمكنه فيه ان يعرض بدائل؛ اما نظام الأسد أو النظام الإرهابي
المتطرف. لم تبذل إدارة اوباما جهدا لتحشيد تحالف دولي من أجل احتواء نظام
الأسد قبل ان تتحول الحرب الأهلية الى ما هي عليه اليوم – حرب الكل ضد الكل
مع بقاء القوة بيد القوى الطائفية المتشددة على طرفي خطوط المعركة.
في نفس الوقت في العراق، تم استبدال المالكي
بحيدر العبادي، السياسي الشيعي الذي قضى وقتا طويلا في المملكة المتحدة و
نال شهادة الدكتوراه في الشؤون المالية و يدرك تماما الخطر الذي يواجه
العراق. مع ذلك لم يسمع أحد من إدارة أوباما دعوةً لمؤتمر مصالحة وطنية في
العراق يلتقي فيه سياسيو الشيعة و السنّة و الكرد في محاولة لتشكيل جبهة
موحدة ضد داعش . كما لم يحصل ان اهتمت وسائل الإعلام بتحقيق الوحدة الوطنية
و إلغاء الهويات الطائفية في العراق، و لم يحصل أيضاً إختيار مقرر خاص من
الأمم المتحدة في العراق تكون مهمته مواصلة الضغط على السياسيين من أمثال
المالكي و زمرته الذين يسعون الى تقويض رئيس الوزراء العبادي و الضغط على
سياسيي النخبة من أجل اعتماد سياسات وطنية.
مع وضع العراق الإقتصادي غير المستقر خاصةً
بعد إنخفاض أسعار النفط و قلة إيراداته النفطية التي يعتمد عليها، يمكن
لإدارة أوباما ان تكون أكثر نشاطا ان كانت تريد ذلك بدلا من الوقوف موقف
المتفرج.
من الواضح ان الحملة الجوية – التي تلقي
القنابل مرة واحدة كل أربع طلعات – و بسبب غياب مراقبين على الأرض، كانت
غير فاعلة كما يتبين من المكاسب التي حققها داعش في الرمادي و تدمر.
الطائفية ليست متأصلة في سكان الشرق الأوسط،
فالناس لا يخرجون طائفيين من بطون أمهاتهم. ما يحصل في الواقع هو إنتشار
الهويات المصممة إجتماعيا و سياسيا على يد أصحاب المشاريع الطائفية
المستفيدين من الخوف و التهميش الإقتصادي و التهجير من أجل تسييس الهويات
الإجتماعية المبنية على العرق او الطائفة. بهذا الأسلوب، تقوم هذه النخب
بتعزيز إنعدام الثقة بين الجماعات العرقية و الطائفية من أجل دعم أهدافها
في زيادة سلطتها و ثروتها الإقتصادية. أوضحت إستطلاعات الرأي التي قامت بها
روزنر و كويلان و غرينبيرغ في 2010 و 2014 ان الطائفية كانت في مرتبة
منخفضة بين مخاوف العراقيين العاديين، بينما كانت مخاوفهم من الوضع الأمني و
فرص العمل و البطالة أكثر بكثير.
ليس هناك إنسان ساذج لدرجة ان يعتقد بأن
الولايات المتحدة يمكن ان تعيد العراق و سوريا بلدين موحّدين مرة أخرى. مع
ذلك فهناك حاجة الى سياسة أميركية جديدة تجمع تحالفا واسعا من الشركاء
الإقليميين و غير الإقليميين الذين يسعون الى منع إنتشار الإرهاب. هذا
التحالف يجب ان يضم الخصوم لمعرفة ما اذا كانت هناك أرضية مشتركة يمكن من
خلالها سحق داعش قبل ان يتقدم أكثر في الشرق الأوسط (و أفريقيا).
مع بقاء الولايات المتحدة في الظل، فهناك قوى
أخرى تعمل في المنطقة؛ فالسعودية و تركيا، بدعم من قطر، تقوم بتسليح قوات
إسلامية جديدة مثل الجيش الإسلامي. كما ان جمهورية إيران الإسلامية تدعم
نظام الأسد و تتنافس مع السعودية، ما يخلق دولة فاشلة أخرى و يروج للهويات
الطائفية في اليمن حيث ان كلا النظامين يسعيان للقضاء طائفيا على بعضهما.
هل تريد الولايات المتحدة و حلفاؤها
الإقليميون (عدا السعودية و تركيا) و الغرب ان يروا نظاما إسلاميا متطرفا
يستلم السلطة في سوريا؟ على الولايات المتحدة ان تسرع، و ان تجعل دك
الهويات الطائفية أولى أولوياتها مع تفكير جديد بجوهر المنطقة. لايزال
أوباما يقف موقف المتفرج على الخطر الذي يحدق بالولايات المتحدة و المنطقة.
عن: ذي نيو ميدل إيست