شكل مقتل سليماني، غير المتوقع، صدمة للكثيرين حيث لا يوازيها شيء سوى الصدمة التي انتابت المحللين الغربيين الذين انشغلوا بتحليل اسباب وتداعيات مقتله. وبدلا من وضع عملية قتله في سياق تاريخي، أو مناقشتها ضمن عمليات سياسية واقتصادية أوسع في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، الا ان المناقشات تركزت إلى حد كبير على الشخصيات وقد
كانت هذه المناقشات وصفية أكثر منها توضيحية وهذا بحد ذاته يعتبر قصورا في فهم المشهد العام
على الرغم من التغطية الدولية الواسعة للضربة الجوية التي اودت بحياة سليماني، وزعيم المليشيا العراقي، أبو مهدي المهندس الذي كان يرافقه، لم يقدم للجمهور الغربي سوى مجموعة كبيرة من الحقائق المفككة. ومن خلال التركيز على الزعماء الاستبداديين والفاسدين دون التطرق للمواطنين من اهل المنطقة. وترى المحللين الغربين يتحدثون كثيرا عن الزعماء السياسيين الذين يأتون ويذهبون، لكنهم لا يتحدثون كثيرا عن التغييرات المهمة التي تحدث في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا
ما الذي نستشفه من حالة التجاهل لواحدة من أكبر الانتفاضات المستمرة في تاريخ العراق منذ ثورة العشرين (الثورة
العراقية الكبرى) عن وضعية مستوى التحليل لسياسات منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من قبل المحللين الغربيين؟
ما الذي نحتاج إلى معرفته لكي نفهم أسباب هذا التجاهل طوال هذه الفترة؟ لماذا يقتصر التركيز على الجهات الفاعلة والنخب السياسية على حساب القوى الاجتماعية والحركات المهمة التي تجري حاليًا في المنطقة؟
تتمثل إحدى الثغرات البارزة لدى المحللين الغربيين في انتفاضة الشباب الضخمة التي تحدث في العراق وغيرها من بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وهناك قضية أخرى قد تم اهمالها ترتبط بالعلاقة بين مقتل سليماني وانتفاضة الشباب المستمرة في العراق منذ الأول من أكتوبر (ثورة تشرين) التي يمكن مقارنتها مع ثورات الربيع العربي، إن لم تكن أكبر.
وقد طالبت الانتفاضة تحت قيادة الشباب بإعادة هيكلة النظام السياسي العراقي بشكل كامل وتطبيق الديمقراطية الحقيقية
وقد أدى ذلك بالفعل إلى استقالة رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي، وأجبرت النخبة السياسية في العراق على الدخول في مناقشات جادة بشأن تغيير هيكل النظام السياسي في العراق.
وعلى عكس مقتل سليماني، فإن ثورة أكتوبر لازالت وسائل الاعلام والمحللين السياسيين يتجاهلونها بشكل شبه كامل،وقد حشدت الانتفاضة الآلاف من الشباب العراقي والعديد من المؤيدين لهم من كبار السن من العراقيين، وكذلك على سبيل المثال عمال النفط والنقابات المهنية، الذين يطالبون بإنهاء الحكم الفاسد، وتوفير فرص العمل، وتحسين الخدمات الاجتماعية الحكومية. وقد كان أهم مطلب لهم هو إنشاء نظام سياسي ديمقراطي حقيقي جديد، يتميز بالديمقراطية الاجتماعية.
.
أولاً، اما ان المحللين الغربيين لا يفهمون التغيير الهائل لدى الأجيال او قد لا يأخذونه على محمل الجد ما يحدث حاليًا في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وفي العراق، كما هو الحال في العديد من بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، يشكل الشباب 70٪ من السكان دون سن الثلاثين، أي بواقع 27.5 مليون من 39 مليون نسمة في العراق. ويعاني الكثير من هؤلاء الشباب من حالة الفقر ومنهم من لديه مستوى دراسي عالي الا ان فرصهم المستقبلية شحيحة
ولا يمكن لاقتصاد القطاع العام الذي يفتقد الي النشاط والذي يتركز في بيئة حيث يستشري الفساد اذ تقتصر الوظائف الحكومية على من لهم علاقات سياسية (ما يسمى بالواسطة)، تلبية احتياجات العمالة حيث الأعداد الكبيرة من الشباب
الذين يدخلون سوق العمل كل عام، أو أولئك الذين ليس لديهم مهارات ممن يعانون من البطالة
تكررت انتفاضة الشباب العراقي في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حيث مظاهرات السودان، التي كان في طليعتها الشباب وقد تمخضت عن اسقاط الطاغية، اللواء عمر البشير، الذي يحاكم الآن لارتكابه جرائم ضد الإنسانية. وتخطط الحكومة الانتقالية التي تتألف من مدنيين وضباط عسكريين والتي مدتها ثلاث سنوات، لإجراء انتخابات ديمقراطية بعد انتهاء هذه المدة. وقد أدين عمر البشير بسبب ارتكابه اعمال فساد. Omar al-Bashir convicted of corruption
اما في الجزائر، فقد أجبرت مظاهرات الشباب رئيسها الراحل عبد العزيز بوتفليقة على الاستقالة بعد أن سعى إلى الحصول على ولاية خامسة. وقد ساعد الشباب بعد ذلك على تنظيم مقاطعة وطنية للانتخابات الرئاسية أنداك لأن النخبة السياسية الجزائرية رفضت تقديم التنازلات اللازمة التي طالب بها المتظاهرون. ومع ذلك، فإن الرئيس المنتخب حديثًا قد طبق بالفعل سياسات جديدة، مشيرًا إلى أنه يدرك أن هناك حاجة لإصلاحات كبيرة في النظام السياسي الجزائري إذا ما اريد استرضاء الجماهير وبضمنهم الشباب.
وفي لبنان، الذي يمكن ان يكون على حافة الانهيار المالي، أجبر المتظاهرون الشباب هناك رئيس الوزراء سعد الحريري على الاستقالة وواصلوا الضغط على الحكومة من اجل إحداث إصلاحات سياسية. ونتيجة لذلك الضغط فقد شكلت الحكومة لجنة لدراسة الأزمة المالية اللبنانية التي تهدد الجميع. ولم يعرف لحد الان فيما إذا كانت هذه اللجنة ستتمكن من معالجة مشاكل لبنان الاقتصادية بطريقة فعالة
ان الأزمة المالية في لبنان هي نتيجة لتجاهل الحكومات المتعاقبة للفساد الهائل الذي تعاني منه معظم بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تقريبًا. وبينما حاول حزب الله، المدعوم من إيران، إيقاف الاحتجاجات، على طريقة الميليشيات الموالية لإيران في العراق التي تهاجم المتظاهرين الشباب، فإن المتظاهرين اللبنانيين الشباب لم يتقهقروا واستمروا بمواصلة الاحتجاجات.
اما الشباب الإيراني فقد كانوا يحتجون كذلك على الفساد الهائل في جهاز الدولة ونقص الوظائف المصحوب بالتدهور السريع للاقتصاد. لقد طرح العديد من الشباب السؤال الذي طرحه العديد من الإيرانيين الآخرين: لماذا ينفق الملالي في طهران الكثير من الأموال لدعم نظام الأسد في سوريا، وحزب الله في لبنان، وما يسمى فصائل الحشد الشعبي في العراق والمتمردون الحوثيون في اليمن بالرغم من الضائقة الاقتصادية المحلية؟
ثانيًا ان أحد التطورات المهمة التي لم يتناولها المحللون بعد هو التسامح الذي تروج له حركة احتجاجات الشباب في العراق، وحركات الشباب في أماكن أخرى من منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ورفضها التام للطائفية الا ان التركيز على سليماني مرة أخرى يبين الازدواجية التي تميز تحليل سياسات الشرق الأوسط، وما يسمى بالانقسام السني - الشيعي. اذ ان ايران دولة ذات أغلبية شيعية في حين أن المملكة العربية السعودية عدوها اللدود دولة سنية؛ لكن الشباب لن يكون لديهم شيء
من هذا فقد تم حظر الطائفية من مملكتها وينظر إليها بشكل صحيح على أنها "خدعة للتغلب على هذا الطرف او تقسيمه" ولتعزيز المصالح السياسية والاقتصادية للنخب الحاكمة الفاسدة
وتبرز هناك مشكلة أخرى عندما يحاول المحللون تطبيق هذا الثنائي العرقي (السني – الشيعي) على ثورة أكتوبر. ان الغالبية العظمى من المتظاهرين هم من بغداد وجنوب العراق حيث الغالبية الشيعية. لقد اسقطت هذه الحقيقة الحكومة العراقية، التي تسيطر عليها أحزاب الشيعة والميليشيات التي تمولها إيران والتي هي شيعية كذلك. وبالتالي، فإن الهوية الطائفية لم تكن متاحة لأصحاب المشاريع الطائفية في بغداد لاستغلال وتحويل الانتباه عن المطالب الحقيقية للثورة وأسباب قيامها
على عكس العديد من المحللين الغربيين، فإن الشباب أكثر تطوراً في فهمهم لديناميكيات سياسات منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا المحلية. لأن الغالبية العظمى من المتظاهرين الشباب في العراق هم من الشيعة، فقد تجنب الشباب السني، الذين يدعمون الانتفاضة، العمل كمجموعة محددة، وبالتالي منع الحكومة العراقية من استخدام المعايير الطائفية لمعارضة الانتفاضة ودعواتها المشروعة لإحداث التغيير السياسي والاجتماعي المطلوب
بمعنى آخر، إذا انخرط الشباب السني العربي بأعداد كبيرة في المناطق ذات الأغلبية السنية في محافظات الأنبار ونينوى وصلاح الدين، على سبيل المثال، يمكن للعناصر الطائفية في الحكومة العراقية أن تجادل بأن الانتفاضة كانت برعاية داعش او ما يسمى (الدولة الإسلامية) وهي منظمة إرهابية. وبدلاً من ذلك، فقد عبر الشباب السني العربي عن دعمهم من بعيد أو شاركوا على أساس فردي مع أخواتهم من الشيعة وإخوانهم في بغداد ومدن الجنوب - البصرة والنجف وكربلاء والناصرية وبابل، والديوانية، والحلة، الكوت وغيرها
المسألة الثالثة التي أهملها المحللون هي التي تؤكد كيف ان مقتل سليماني يثبت ان النظر إلى الشرق الأوسط من خلال عدسة طائفية مسالة خاطئة. على الرغم من دعم سليماني للقوات الطائفية في الجزء الشرقي لمنطقة الشرق الأوسط، سواء كان نظام بشار الأسد أو ميليشيا حزب الله اللبنانية أو فصائل الحشد الشعبي في العراق، فإن اغتياله ليس له علاقة تذكر بالتأويلات السنية او الشيعية للإسلام. فقد كان سليماني رجل أعمال طائفي استخدم الطائفة للترويج لجدول أعماله، كان جدول أعماله الأساسي دائمًا يتعلق بتوسيع القوة السياسية والعسكرية والاقتصادية لإيران في الشرق الأوسط وليس له علاقة بالدين
ان وضع وفاة سليماني، وشريكه في الجريمة والفوضى، أبو مهدي المهندس، نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي ومؤسس ميليشيا كتائب حزب الله، في إطار محدد من حيث الهويات الطائفية، لم يفشل في ان يأخذ في الحسبان تغيير الأجيال فقط بل يتوافق مع الثنائي الثابت وغير المحدد الذي يقع الكثير من المحللين فريسة له، أي رؤية الشرق الأوسط في إطار محدد وهو الصراع الكبير بين السنة والشيعة (التي يزعم بوجود ديناميكيتاها التي تفتقر الى التفسير))
بالنسبة لثورة أكتوبر، دفعت هذه المغالطة المحللين الغربيين إلى التقليل من أهمية الديناميكيات وراء السياسات الشبابية في جميع أنحاء المنطقة، بما في ذلك ثورة الشباب الحالية في العراق. إنها تبين لنا بأن الشباب الذين يدعمون ثورة أكتوبر قد رفضوا الطائفية بشكل واضح وصريح لأنهم يرونها بحق قوة خلافية تتلاعب بها النخب السياسية المحلية.
العنصر الرابع لثورة أكتوبر كيف ان مطالبها الأولية تمثل قمة جبل الجليد. آن انتفاضة شباب العراق، والتي بدأت في أوائل أكتوبر 2019، قد تحولت مطالبها بسرعة إلى المطالبة بإعادة هيكلة النظام السياسي العراقي بشكل كامل وإقامة ديمقراطية (اجتماعية) حقيقية في العراق. أولاً وقبل كل شيء، دعا المتظاهرون إلى استبدال نظام قائمة الأحزاب بدوائر انتخابية متعددة ذات مرشح واحد. وسيؤدي هذا النظام الجديد إلى القضاء على نظام المحاصصة الذي على أساسه توزع المناصب الحكومية في داخل وخارج مجلس الوزراء وفقًا للصفقات المبرمة بين الأحزاب الفائزة في الانتخابات العامة. ووفقا لنظام المحاصصة يكون منصب رئيس الجمهورية، وهو منصب تشريفي، من حصة الاكراد ومنصب رئيس الوزراء للعرب الشيعة اما منصب رئيس مجلس النواب فيكون للعرب السنة
وفي أعقاب مطالب المحتجين الشباب، سيتم التخلي عن النظام الذي يكون فيه رئيس الوزراء هو الرئيس التنفيذي الذي ينتخبه البرلمان لصالح نظام رئاسي حيث سينتخب الناخبون المسجلون في جميع أنحاء العراق رئيسًا لا يرتبط بطائفة أو عرق أو منطقة معينة من البلاد
وفي ظل الهيكل السياسي الجديد الذي دعت إليه ثورة أكتوبر، سيتم القضاء على "النظام الطائفي" غير الرسمي الذي يشبه ما معمول به في (لبنان). وقد تم العمل في هذا النظام خلال الاحتلال الأمريكي للعراق في عام 2003 حيث شكلت سلطة التحالف المؤقتة، التي كان يرأسها الدبلوماسي السابق، ل. بول بريمر، نموذجا
كارثياً من خلال إنشاء أول حكومة طائفية تتخذ شكل مجلس الحكم العراقي. الذي تم اختيار أعضائه على أسس طائفية وعرقية.
المطلب الأخير للناشطين الشباب هو أن تغادر إيران العراق وهذا ما لاحظناه في هتافات الشباب (ارحل). تهدف هذه الدعوة إلى إنهاء سلطة فصائل الحشد الشعبي، وخاصة الجماعات الكبيرة التي تمولها إيران. هذه الجماعات ليست مدججة بالسلاح فحسب، بل إنها قوية سياسيا لانها خلقت كيان داخل الدولة العراقية أي اوجدت دولة داخل دولة. كما بدأت الميليشيات في تطوير مصالحها المالية الخاصة في العراق من خلال الانخراط في التهريب وغيرها من الأنشطة الاقتصادية غير القانونية وشبه القانونية. باختصار، قام الحشد الشعبي بتوسيع نفوذ إيران بشكل كبير في العراق وسيطرته على نظامه السياسي والاقتصادي
وبالعودة إلى السؤال الذي طرحناه سابقا، ان مقتل قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس قد أغضب إيران والميليشيات التابعة لها في العراق. وبمنظار الربح والخسارة فان إيران ووكلائها المحليين، يرون ان عملية قتل سليماني والمهندس تعزز قوة الولايات المتحدة ونفوذها في العراق على حساب إيران.
منذ بداية المظاهرات التي طالبت بإجراء تغيير ديمقراطي، تعرض أنصار ثورة أكتوبر لهجمات متكررة من قبل قوات الأمن العراقية وخاصة من قبل العديد من افراد قوة الرد السريع التابعة لوزارة الداخلية الذين هم في الواقع تابعين للمليشيات التي تمولها إيران والتي اضطرت الوزارة لدمجهم في صفوفها على الرغم من افتقارهم إلى التدريب العسكري الكافي.
ويطلق على هؤلاء المنتسبين بـ (الدمج) ويمتازون بمعاملتهم الوحشية للمتظاهرين ورد فعلهم العيف على المتظاهرين الشباب العزل ردودها على الرغم من عدم وجود أي تقارير حول ممارسة العنف من قبل المتظاهرين، وقد استخدمت هذه القوات عبوات الغاز المسيل للدموع من الدرجة العسكرية، أي عشرة أضعاف وزن تلك المستخدمة للسيطرة على الاحتجاجات المدنية، واستهدفت رؤوس المتظاهرين مما تسببت بإصابات بليغة في صفوفهم.
وقد تصاعد العنف مع مقتل سليماني والمهندس ولم يقتصر الأمر على تعرض المتظاهرين للهجوم أثناء احتجاجاتهم، بل قامت المليشيات في المساء بمهاجمة المحتجين وحرق الخيام التي أقاموها في ساحات المدن، مثل بغداد والبصرة
والناصرية. ورغم ذلك فقد أظهر المتظاهرون في الناصرية براعتهم من خلال إعادة بناء ملاجئهم باستخدام البلوك حتى لا تتمكن الميليشيات من تدميرها بسهولة. Nasiriya with -Iraqi youth protestors building shelters in al.bricks
سفراء 16 دولة في بغداد يدينون قتل الحكومة العراقية للمتظاهرين المسالمين:
وعلى الصعيد الدولي، بدأت أعمال العنف التي تُستخدم لقمع احتجاجات الشباب يتردد صداها ضد الحكومة العراقية حيث في الآونة الأخيرة أدانت سفارات 16 دولة مختلفة في العراق مقتل ما يزيد عن 600 شاب عراقي وجرح أكثر من 20.000 هذا بالإضافة إلى اختطاف العديد من المتظاهرين والناشطين الذين لم يسمع عنهم منذ اختفائهم، وذكر آخرون أنهم تعرضوا للتعذيب قبل إطلاق سراحهم. Ambassadors of 16 countries in Baghdad condemn Iraqi government killing of peaceful protestors
وفي الوقت نفسه، يدرك عدد قليل من المحللين الغربيين أهمية عملية التثقيف عندما يكون العمل في جو الانتفاضة الثورية. الشباب الذين يتظاهرون يقضون الكثير من الوقت معًا. ترى ماذا يحدث عندما يجتمع الشباب العراقي للاحتجاج؟
هذه المرة لا يقتصر الامر فقط على الاحتجاج في أجزاء مختلفة من المدن والمناطق العراقية المختلفة، بل يتعداه الى الاجتماع لمناقشة أسباب سخطهم وحنقهم على الوضع الراهن، وما هو المجتمع الجديد الذي يطمحون به؟
انهم يأملون في تحسن حياتهم وحياة جميع العراقيين. ان هذا التفاعل والحراك اليومي للمتظاهرين الشباب لم يتم بعد إدراك تأثيره على المدى البعيد.
وتمثل ملصقاتهم وأعمالهم الفنية مؤشراً واحداً على المجتمع المتحرر الجديد الذي ينشدونه. سيكون هذا المجتمع خالياً من الطائفية المتمحورة حول الذات ويعزز الديمقراطية الاجتماعية والتسامح والمساواة بين الجنسين، مما يمنح المرأة مكانتها المناسبة في المجتمع العراقي
ما الذي يمكن عمله لمساعدة ثورة أكتوبر على تحقيق أهدافها؟ هذا موضوع سينشر لاحقا. ومع ذلك، يتعين على الأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ومجتمعات المغتربين العراقيين تشكيل تحالف دولي ينسق مراقبة ردود فعل الحكومة العراقية على الاحتجاجات. ويتوجب على هذا التحالف
أيضًا جمع معلومات عن العراقيين الذين قتلوا أو أصيبوا على أيدي قوات الأمن والتي يمكن استخدامها في المحاكمات المحتملة في المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية.
وبالعودة الى مقتل قاسم سليماني الذي ابتدأ به المقال، نحتاج أن نتذكر أنه كان مجرد فرد مهم لكن لابد من استبعاد فكرة عدم إمكانية قتله. فقد تم تعيين قائدا جديد لقوات القدس خلفا له وتم تعيين مجموعة من الضباط الشباب في قيادة قوة الحرس الثوري الإيراني. ومن جهة أخرى لا يمكن للحرس الثوري الإيراني أن يحسن الاقتصاد الإيراني، ويخلق فرص عمل للإيرانيين العاطلين عن العمل، ويتصدى لمطالب الشباب المتعلمين الذين يقبعون تحت قيود النظام السياسي القمعي الذي يرى أن الإبداع الفردي يشكل تهديدًا لسلطته.
كان سليماني مجرد جزء في عجلة إيرانية تسعى إلى السيطرة الإقليمية على البحر المتوسط ومنطقة الخليج، وهذه أهداف لا يمكن ان تحققها أبدًا
,إن ثورة أكتوبر برفضها للطائفية وسعيها لتحقيق الديمقراطية الاجتماعية والتسامح والمساواة بين الجنسين والحريات الشخصية لا تمثل مجرد هدف وطني عراقي، على عكس الجهود التي كان يبذلها سليماني لفرض الهيمنة الإقليمية لإيران