Iraqi election poster - May 2018 |
In the interest of providing analysis of the Iraqi elections of this past May, The New Middle East is pleased to present an interview with Iraqi
scholar and civil society activist, Dr. Faris Kamal Nadhmi, founding President
of the Iraqi Association for Political Psychology, and professor at Salahiddin University in Erbil,
KRG, Iraq. The questions posed are
listed below in English. The New Middle East expects to translate
the interview into English.
An interview with Dr.
Faris Kamal Nadhmi
on the May12, 2018 Iraqi parliamentary elections
on the May12, 2018 Iraqi parliamentary elections
1.
Overall,
what were the positive development and what were the negative development in
the Iraqi parliamentary elections of May 12, 2018?
2.
What
were the reasons for the lower turnout in voting, namely only 44.5%? Did Ayatollah Ali al-Sistani’s
recommendations prior to the elections have any impact on voter turnout?
3.
Can
we say that voters rejected sectarianism in the May 12th
elections? If so, why has it taken so long
for Iraqi voters to vote for issues which affect their lives, such as important
social services, including health care, education, housing, electricity and
municipal services?
4.
Are
there many Iraqis who argue that democracy is an ineffective form of government
which can be seen in the fact that Iraq continues to be ruled by the same
elites since 2003 and the lives of ordinary Iraqis haven’t improved? If so, which sectors of Iraqi society support
this viewpoint?
5.
There
has been talk of the need to change the Iraqi form of government to a
presidential system? What are your views
on this proposal and what do you think are the possibilities that such a change
might take place in the future?
6.
What
political trends do you see among Iraqi youth?
To what extent are various segments of the youth demographic political
to what extent are they apathetic or non-political?
7.
Youth
constitute 70% of Iraq’s population under the age of 30. If you were a young Iraqi, what steps would
you take to improve your life? How do
Iraqi youth activists see the possibility of using the political system to
bring about positive change?
8.
How
have political conditions in Iraq affected Iraqi women who constitute more than
50 % of the population? Do you see more
activism on the part of women to use the political system to better their
lives?
9.
Are
Iraqi male politicians still trying to undermine Iraq’s very progressive
Personal Status Law, enacted in 1959, to curtail the rights of women? What are the dynamics behind such efforts by
male politicians?
10. How does the Kurdish population
view their role i the Iraqi political system?
Isn’t t trye that the Kurds, with the 55 seats which they won in the
elections, could play the role of :kingmakers” in forming the new government?
11. What form do you think the new
Iraqi government will take? Which
political parties will control it?
Dr. Faris Kamal Nadhmi |
1. بشكل عام، ماذا كان التطور الإيجابي والتطور السلبي في الانتخابات البرلمانية العراقية
في 12 مايو 2018؟
- تشكل هذه الانتخابات
لحظة فارقة في التطور السياسي لمرحلة ما بعد 2003م، إذ بدت الاصطفافات الطائفية
التقليدية داخل القوائم الانتخابية أقل تماسكاً وأكثر تشظياً. فللمرة الأولى لا
يشارك تحالف شيعي سياسي موحد في الانتخابات، إذ انقسم البيت السياسي الشيعي إلى ما
لايقل عن خمسة قوائم رئيسة. كما إن بعضاً من هذه القوائم ذات الأغلبية الشيعية
(النصر، سائرون، الحكمة) أعلن عن توجهات ما بعد طائفية باختياره التحالف مع أحزاب
يسارية أو مدنية أو شخصيات علمانية وتكنوقراطية، ما يعني حراكاً سياسياً ابتدائياً
لاستعادة الهوية الوطنية.
وبحساب بسيط أولي نجد أن نسبة المقاعد
التي ذهبت لصالح قوائم انتخابية ما
دون وطنية (أي ذات اصطفافات دينية وعرقية ومناطقية) قد بلغت ما يزيد قليلاً عن 50%
في الانتخابات الحالية، في مقابل نسبة تزيد قليلاً عن 80% في انتخابات العام 2014.
أما المعطيات السلبية لهذه الانتخابات فتتمثل في نتائجها
التي لم تسفر عن تيار فائز بنسبة عالية تؤهله لتشكيل حكومة مستقرة تحظى بأغلبية
برلمانية مريحة. فالقائمة الأولى مثلاً (سائرون) حققت 54 مقعداً أي ما يعادل (16%)
فقط من مجموع مقاعد البرلمان. وتأتي القوائم الرئيسة الأخرى بنسب مقاربة لهذه النسبة،
ما يعني أن إعادة المحاصصة وتوزيع السلطة وفق منطق الغنيمة سوف يكون السائد عند
تشكيل الحكومة القادمة.
2. ما أسباب انخفاض نسبة المشاركة في التصويت ، أي 44,5٪
فقط؟ هل كان لتوصيات آية الله علي السيستاني قبل الانتخابات أي تأثير على نسبة
إقبال الناخبين؟
- بالتأكيد أن خطبة السيد السيستاني التي سبقت
الانتخابات أسهمت في تقليل نسبة المشاركة إذ أشارت بشكل صريح أن المشاركة أو
المقاطعة هو أمر يعود إلى إرادة الفرد ولا يوجد "تكليف" ديني محدد بهذا
الشأن. وقد تم تفسير هذه التصريح من قبل شريحة واسعة من الجمهور الشيعي على أنه
إشارة تسمح له بالمقاطعة. إلا أن ذلك لم يكن السبب الوحيد، بل أن أسباباً متعددة
ومتداخلة أسهمت في تقليل نسبة المشاركة.
فطبقاً
لملاحظاتي الميدانية ولقاءاتي المباشرة ومتابعاتي لوسائل الإعلام، فلا يمكن الحديث
عن نمط واحد من المقاطعين، بل أطياف من المقاطعين، يتوزعون بين قطب اللاأباليين
والمغتربين سياسياً، وبين قطب الراديكاليين وأصحاب المواقف التنظيرية.
فالفئة الأولى تشمل من قاطعوا بسبب الاغتراب السياسي Political
Alienation
واللامبالاة Indifference والعجز المتعلم Learned
Helplessness، والتشاؤم Pessimism، وانعدام
الأمل Hopelessness وسيكولوجيا
انتظار المنقذ Psychology
of Saver، والكسل
الفكري المرتبط بالعدمية السياسية Political
Nihilism والكلبية السياسية Political Cynicism، وولعهم
بنظرية المؤامرة Conspiracy
theory.
وفي
القطب الآخر من المقاطعين، يقف متشددون على نحو راديكالي رافض لأي صلة بالعملية
السياسية ومنها الانتخابات. ومن بين هؤلاء مثقفون يمتلكون نزعة طهرية متمركز حول
الذات بضرورة احترام الذات وعدم تلويثها أو زجها في انتخابات "مزيفة"
سوف تعيد إنتاج السياسيين الفاسدين أنفسهم.
3. هل يمكن أن نقول إن الناخبين في انتخابات 12 مايو قد
رفضوا الطائفية ؟ إذا كان الأمر كذلك، فلماذا استغرق الأمر وقتاً طويلاً حتى يصوت
الناخبون العراقيون لصالح قضايا تؤثر على حياتهم، مثل الخدمات الاجتماعية المهمة،
بما في ذلك الرعاية الصحية والتعليم والسكن والكهرباء والخدمات البلدية؟
- لا يمكن القول أن عموم الناخبين في هذه الانتخابات قد
صوتوا ضد الطائفية بشكل قطعي، إذ أوضحتُ قبل قليل أن نسبة المقاعد التي ذهبت لصالح
قوائم انتخابية ما دون وطنية قد بلغت ما يزيد قليلاً
عن 50%. وهذا يعني أن الناخب الهوياتي ما يزال فاعلاً ومتأثراً بنظام الإثنيات السياسية الحالي، إلا أنه بدأ
تدريجياً بمغادرة ذلك باتجاه ناخب القضايا العامة، ضمن معادلة انتخابية جديدة
بالمقارنة مع نتائج الانتخابات السابقة. وهذا يتطلب تحليلاً دقيقاً لتوجهات
القوائم الفائزة الحالية للحصول على خريطة واضحة لمسار هبوط النزعة الهوياتية
(الطائفية) مقابل صعود الهوية المدنية (القضايا العامة).
إن هذا التحول التدريجي وغير المحسوم بعد يعزى لأسباب
متعددة ومركبة، من بينها: فشل نظام الطائفية السياسية في في
تحقيق أي إنجاز اقتصادي أو اجتماعي بالحد الأدنى، إذ تضاعفت مستويات الحرمان
ومعدلات الفقر والبطالة، وأصبح نهب المال العام الصفة المميزة للنظام السياسي
الغارق بنيوياً في الفساد والتبعية لمراكز القرار في الخارج. وفي الوقت ذاته بدأت
نزعة الاستياء والاحتجاج بالتفتح بتأثير هذين العاملينِ المتضامنين جدلياً: أي
بزوغ الهوية الوطنية واشتداد الحرمان بأنواعه؛ وكل ذلك بالتفاعل مع حرية الإعلام
والمعلومة وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي والنشاط الرسالي الثابت لرموز المجتمع
المدني والحركات السياسية الديمقراطية. وهذا أدى في النهاية إلى إحداث تطورٍ جزئي
في الثقافة السياسية للفرد العراقي اتضح في تعبيراته المعلنة على نحو متزايد عن
الامتعاض من تسييس الدين، وتطييف الوطن، وانهيار الخدمات، واشتداد الأزمات
الاقتصادية، واستئثار الطبقة المتأسلمة الجديدة بثروات البلاد حد إفقار المجتمع
وتهميشه.
4. هل هناك عراقيون كثيرون يجادلون بأن الديمقراطية هي شكل
غير فاعل من الحكم يمكن رؤيته في حقيقة أن العراق لا تزال تحكمه نفس النخب منذ عام
2003 وأن حياة العراقيين العاديين لم تتحسن؟ إذا كان الأمر كذلك، ما هي قطاعات
المجتمع العراقي التي تدعم وجهة النظر هذه؟
- هذا الرأي واسع الانتشار اليوم لدى مختلف فئات المجتمع
العراقي (إثنياً وطبقياً وثقافياً) ولا يمكن حصره بفئة معينة فقط. وهو يمثل إلى حد
كبير المسألة الأساسية التي دار حولها النقاش
الخلافي المحتدم بين أنصار المشاركة والمقاطعة قبل الانتخابات، والتي يمكن تلخيصها
في نقطتين استفهاميتين:
1-إلى
أي مدى بات النظام السياسي الطائفي الحالي والعملية السياسية برمتها يمتلكون شرعية
الاستمرار؟
2-
وإلى أي حد يمكن اعتبار الانتخابات في العراق ممثلة حقاً لجوهر الديمقراطية وأنها
قادرة على إنتاج سلطة تمثل إرادة الناس؟
إن
الخلاف بين المشاركين والمقاطعين قد تركّز حول كيفية الإجابة عن هاتين النقطتين
خلال الشهور التي سبقت الانتخابات. فالبعض الذي رأى النظام فاقداً للشرعية وأن
الانتخابات عاجزة عن تحقيق الديمقراطية كان يرى في المقاطعة سلوكاً احتجاجياً
وأخلاقياً ضرورياً بصرف النظر عن أي اعتبارات أخرى. وهم هنا يتساءلون: «أي معنى لديمقراطية آليتها الوحيدة تقريباً هي صناديق
انتخابية تعيد المرة تلو الأخرى إنتاج سياسيين فاسدين؟ أليست الانتخابات في هذه
الحالة تعدّ اختزالاً فجاً لجوهر الديمقراطية الذي يتطلب شروطاً تراكمية مركبة غير
متوافرة حالياً في الوضع العراقي؟».
أما
المشاركون فإن جزءً مهماً منهم كان يرى أن المشاركة لا تعني توكيداً بالضرورة
لشرعية النظام السياسي، بل بالعكس أنها يمكن أن تعمل على تقويضه إذا ما جاءت
نتائجها ضد الطائفية. وهو
بذلك يجادلون بالقول: «إن الديمقراطية لا تنشأ
ولا تكتمل دفعة واحدة بل بمراحل طويلة وعسيرة من تلاقح الممارسة العقلانية بالآلام
الاجتماعية، إذ لا مناص من استفتاء آراء الناس مهما كانت تلك الآراء بدائية أو
زائفة أو حتى مزورة، بديلاً عن أنظمة الزعيم الواحد والحزب الواحد والرأي الواحد. فالانتخابات بهذا المعنى تشكّل وسيلة أو خياراً
ديمقراطياً "لا غنى عنه" حتى إنْ لم يكن مثالياً، وحتى لو كانت نتائجها
لا تصب في مجرى الديمقراطية على الدوام».
5. كان هناك حديث عن الحاجة لتغيير شكل الحكومة العراقية
إلى نظام رئاسي؟ ما هي وجهات نظرك حول هذا الاقتراح وما هي برأيك الاحتمالات التي
يمكن أن تُحدث مثل هذا التغيير في المستقبل؟
- أعتقد أن الحديث عن أن النظام الرئاسي – بديلاً عن النظام
البرلماني- يمكن أن يحلّ معضلات العراق وأزماته المستمرة، هو نوع من التفكير
الرغبي Wishful thought الذي ينتعش
في لحظات اليأس التاريخية حينما تغيب الحلول وتتعاظم إخفاقات السلطة.
فالمعضلة الحقيقية في عراق اليوم تتمثل بشبكات التخادم
الزبائني التي ترضع طفيلياً من الريع النفطي الذي تم تقاسمه وفقاً لفساد التسييس
الطائفي، بوصفه (أي التسييس الطائفي) الوسيلة المؤكدة لحماية هذا التقاسم ومنحه
"شرعية" الديمومة السياسية. وهذه الشبكات الزبائنية قادرة على التكيف مع
أي نظام يجري اعتماده (رئاسي أو برلماني أو مزيج بينهما)، إذ تمتلك من سلطة المال
والسلاح ما يؤهلها لإعادة إنتاج نفسها وفقاً لأي مقاسات دستورية يجري اعتمادها.
6. ما هي الاتجاهات السياسية التي تراها بين الشباب
العراقي؟ إلى أي مدى توجد شرائح سياسية ديموغرافية مختلفة للشباب وإلى أي مدى هم
غير مبالين أو غير سياسيين؟
- يصعب تقديم إجابات قطعية بهذا الشأن في وضع سياسي متحرك
باستمرار كما في العراق. إلا أنه من المؤكد أن ثمة نزوعاً متصاعداً لدى عموم
الشباب لمعاداة الدين السياسي واعتباره مسؤولاً عن الفساد الذي يلتهم الدولة
برمتها. وفي الوقت نفسه فإنهم ينزعون إلى الحديث اليومي عن أهمية مفاهيم المواطنة
وحرية التعبير والمساواة أمام القانون، وعن دولة العدل والرفاه التي كان يفترض أن
تقوم في العراق "البلد الأغنى في العالم".
إلا أن هذه التوجهات المدنية المتنامية تظل مترافقة في
شخصية الشاب العراقي بمشاعر الاغتراب السياسي Political
Alienation، أي
شعوره بأنه عاجز عن التحكم بمصيره ومصير بلده السياسي، وبأنه قد تم خداعه وخيانته
من النظام السياسي، وبالتالي فهو فاقد القدرة والإرادة على التغيير لأن الفساد
والظلم يغلفان كل أركان الحياة حوله.
فقد
وجدتُ في دراسة ميدانية أجريتها برفقة زملاء لي في الجمعية العراقية لعلم النفس
السياسي، على فئة من الشباب في بغداد والأنبار قبل إجراء الانتخابات ببضعة أسابيع،
أن نسبة الاغتراب السياسي "الشديد" متوافرة لدى 65% من عموم العينة. أما
لدى من قرروا مقاطعة الانتخابات فترتفع إلى 79% ، ولدى من قرروا المشاركة تنخفض
إلى 57% . وعند سؤال المقاطعين عن سبب سلوكهم أشار 40% منهم إلى " غياب الثقة بالمرشحين
والقوائم"، و 19% إلى "الاعتقاد بعدم إمكانية
التغيير"، و14% إلى "الفساد".
وفي إقليم كردستان العراق، اتضح أيضاً في دراسة ماجستير أشرفتُ عليها سنة 2017 أن
نسبة الاغتراب السياسي الشديد تتراوح بين (63- 69)% لدى الشباب بحسب أنماط هذا
الاغتراب.
7. يشكل الشباب 70٪ من سكان العراق تحت سن الثلاثين. إذا
كنت شابًا عراقيًا، فما هي الخطوات التي ستتخذها لتحسين حياتك؟ كيف يرى نشطاء
الشباب العراقيون إمكانية استخدام النظام السياسي لإحداث تغيير إيجابي؟
- لا أستطيع الافتراض بأنني واحد من الشباب لأتحدث بديلاً
عنهم. إلا أنني استطيع الحديث من واقع معايشتي لهم داخل العراق، أن
"التغيير" في أذهانهم بات يتصل بإنهاء النظام السياسي الحالي، إذ لم يعد
بالإمكان- من وجهة نظرهم عموماً- استخدام هذا النظام لإحداث تغييرات ايجابية بسبب
انغلاقه واستعصائه على الإصلاح. وهو ما يعيدنا إلى ظاهرة "الاغتراب
السياسي" التي باتت أكثر وضوحاً من أي وقت مضى بين الشباب العراقيين.
فمثلأً الموجة الاحتجاجية الجديدة التي اندلعت من
البصرة في تموز 2018 وامتدت إلى بقية محافظات الوسط والجنوب، اتسمت بعمق الإحباط الوجودي
الحاد لدى فئة الشباب
المحرومين الذين شكّلوا العمودي الفقري للحركة، ممن تكاد أن تقتصر تنشئتهم السياسية
على حقبة ما بعد 2003. فقد اقترن لديهم الدين السياسي بالفساد والحرمان والفقر
والجوع والذل وتفتت الوطن دون أي تمثلات ايديولوجية منهجية تتوسط هذه العلاقة، في
مقابل انفتاحهم المعلوماتي عبر وسائل التواصل الاجتماعي على تجارب الرفاه والتقدم
في بلدان أخرى مجاورة لبلدهم. كل ذلك جعلهم في حالة قطيعة نفسية مباشرة مع السلطة
بمؤسساتها ورموزها، بما يعنيه ذلك من فقدان الثقة بالنظام السياسي الذي يرونه
منغلقاً على ذاته لا يكترث لإرادتهم ولا يحترم وعوده، واضطرارهم للانعزال المعنوي
والوظيفي عنه، وشعورهم بالعجز عن التأثير فيه إيجاباً.
وقد كان الشعار الأبرز الذي رفعه وهتف به هؤلاء الشباب
هو: «الشعب يريد إسقاط الأحزاب». وهذا يعبّر عن رغبة مستميتة لإنهاء نظام
الأسلمة السياسية الحاكم منذ 2003م؛ أي بروز نزعة علمانية اجتماعية ترفض تسييس
الدين سلطوياً دون أن ترفضه ثقافياً. وقد يشير أيضاً لدى بعض المحتجين إلى نزعة
عدمية لازدراء وتخوين كل أنواع الهيكليات السياسية.
8. كيف أثرت الأوضاع السياسية في العراق على النساء
العراقيات اللاتي يشكلن أكثر من 50٪ من السكان؟ هل ترى
المزيد من النشاط من جانب النساء لاستخدام النظام السياسي لتحسين حياتهن؟
- أدت الأسلمة السياسية التي مارسها النظام الطائفي منذ
2003 إلى الهبوط بمكانة المرأة على السلم الاجتماعي. فقد تراجعت قيم المساواة
الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، واشتدت نزعة التمييز والعنف والإقصاء ضدها ضمن
المجال العام والخاص على حد سواء. فالحياة العامة في العراق باتت ذكورية إلى حد
كبير، وأي وجود للمرأة فيها إنما هو لممارسة دور ذكوري خضوعي في جوهره لا لممارسة
دور إنساني اختياري.
وباستثناء الدور المحدود لبعض منظمات المجتمع المدني في
إقامة نشاطات المدافعة عن حقوق المرأة أو لمقاومة تشريع القوانين المنتهكة
لحقوقها، فلا يمكن القول بوجود حركة نسوية حالياً في العراق، بل يقتصر الأمر على
ناشطات وناشطين ممن يعملون في أطر تنظيمية محدودة لا ترتقي إلى مستوى حركة مجتمعية
فاعلة.
9- هل السياسيون العراقيون لا يزالون يحاولون تقويض قانون
الأحوال الشخصية التقدمي جداً في العراق، الذي سُن في عام 1959، للحد من حقوق
المرأة؟ ما هي الديناميكيات وراء هذه الجهود من قبل السياسيين الذكور؟
- نعم ما تزال هذه المحاولات مستمرة منذ تأسيس مجلس الحكم
2003 وفي كل الدورات البرلمانية اللاحقة له. وهذه الجهود الذكورية من قبل
السياسيين الإسلامويين تتخذ مسارات متنوعة للالتفاف على الدستور والقوانين النافذة
بهدف تشريع قوانين جديدة أو تعديل أخرى، غايتها الإضرار بمبدأ المساواة بين
الجنسين، وإلحاق المرأة بوضع عبودي وخضوعي في المجتمع.
فتارةً يقدمون مسودات كاملة لسنّ قوانين جديدة للأحوال
الشخصية لكل دين أو مذهب، بخلاف قانون الأحوال الشخصية النافذ حالياً منذ سنة 1959
الذي يوحد الأحوال الشخصية لكل العراقيين بمختلف دياناتهم ومذاهبهم. وتارة أخرى
يلجأون إلى محاولة إدخال تعديلات على هذا القانون بحجة تحديثه وتطويره. كما يقفون
موقف المعارضة ضد أي قوانين جديدة تسعى منظمات المجتمع المدني لتشريعها بخصوص
تجريم العنف ضد المرأة والأسرة عموماً.
10. كيف ينظر السكان الأكراد إلى دورهم في النظام السياسي
العراقي؟ ألا يحاول الأكراد ، من خلال المقاعد الـ 55 التي فازوا بها في الانتخابات
لعب دور: صانعي الملوك "في تشكيل الحكومة الجديدة؟
- أعتقد أن أزمة الاستفتاء في أيلول/ سبتمبر 2017، وبعدها
أزمة كركوك في تشرين الأول/ اكتوبر 2017، قد تركت تاثيراً عميقاً وغير مباشر على
تراجع الدور الكردي في تحديد ملامح النظام السياسي في العراق. والمفاوضات الحالية
بين القوائم الانتخابية الفائزة لتشكيل الكتلة الكبرى التي يجب تكليفها دستورياً
بتشكيل الحكومة القادمة، شهدت عزوفاً سلبياً أو موقفاً محايداً من معظم الأحزاب
الكردية الفائزة للمشاركة في هذه الكتلة، على عكس الدور الحاسم الي كانت تؤديه في
المرات السابقة بعد كل انتخابات.
ولا تزال هذه المسألة في حالة تفاعل وتغير، ولا يمكن الحكم
عليها حالياً، بانتظار التطورات القادمة.
11- ما هو الشكل الذي ستتخذه الحكومة العراقية الجديدة؟ ما
هي الأحزاب السياسية التي ستسيطر عليها؟
-
كل المؤشرات الحالية تبين أن القوائم الفائزة تتجه نحو تقاسم المناصب فيما بينها
على أساس التوزيع الإثني (أي محاصصات طائفية تقليدية) بالرغم من بعض المسميات
"الوطنية" و"التكنوقراطية" التي باتوا يستخدمونها. ولذلك من
المرجح أن تتشكل الحكومة القادمة على أسس طائفية دون تغيير حقيقي يذكر.
وهنا يتساءل جمهور واسع من العراقيين الباحثين عن
التغيير: هل سيتجه تحالف "سائرون" المؤلف من صدريين وشيوعيين ومدنيين
إلى التفريط برأسماله السياسي والمعنوي الآني والمستقبلي الذي حصده مؤخراً، من
خلال الانتخابات (هو الفائز بالمركز الأول) ولكونه امتداداً للحركة الاحتجاجية
المتصاعدة منذ ثلاث سنوات، عبر قبوله بأن يُزج في تحالف برلماني وحكومي هش يخالف
ما جاء في برنامجه المعلن عن ((مشروع وطني عابر للطائفية ومناهض لها... يعمل على
إنشاء دولة مدنية تقوم على أساس المواطنة وتؤمّن العدالة الاجتماعية، دولة قوية
بمؤسساتها، قادرة على اتخاذ قراراتها المستقلة، بما يعكس هيبتها، وسيادة البلاد
الوطنية...))؟ أم إنه سيتجه إلى تشكيل معارضة سياسية برلمانية مدعومة باحتجاجات
شعبية؟
فخيار المعارضة البرلمانية/ الشعبية – بوصفه شرطاً أساسياً لا
بد منه لأي نظام ديمقراطي ناشئ أو عريق- يمكن أن يبلور ظروفاً موضوعية لبروز
"حكومة ظل" ضاغطة سياسياً، تعمل في مدى زمني متوسط على انتقال السلطة من
بنية الإثنيات السياسية الفاسدة إلى مدخل أولي نحو بنية المواطنة والحكم الرشيد،
دون المرور باحتمال الهزات العنفية المتوقعة من جراء التهرؤ الدولتي المتواصل
والفشل الحكومي المزمن في إيجاد أي حلول للخصومة العميقة المتصاعدة بين مجتمع
يستيقظ ونظام سياسي يتوارى.
إن ما يحدث اليوم في البصرة هو صورة مصغّرة لانفلات راديكالي
قادم وواسع، مشحون بمشاعر الحيف والإحباط والانتقام، ما لم تظهر معارضة سياسية
منظمة وفاعلة، تعقلنُ مشاعر الثأر الجمعي القادمة تلك، وتضعها في إطار يتيح
للتغيير السياسي أن يأخذ مداه الاحتجاجي كاملاً دون ولوج متاهة آلامٍ جديدة.
ولذلك فإن ذهاب "سائرون" إلى خيار المعارضة السياسية الفاعلة يشكل
بديلاً سياسياً حصيفاً وواقعياً في لحظة صراعية مريرة بين قوى التغيير وقوى
الفساد، فضلاً عن كونه يشكل تعزيزاً مستقبلياً لتلك الهيمنة الثقافية المتصاعدة
التي حققها التقارب بين المدنيين والصدريين على صعيد الإصلاح السياسي المنتظر.
هذا الخيار ما يزال متاحاً، وستكشف الأسابيع القادم عن
مدى أرجحية حدوثه.
3/ 9/ 2018
No comments:
Post a Comment