Sunday, April 10, 2011
Qaddafi: My Imminent Downfall will be the End of the King of Africa's Kings and the Dean of the Arab Rulers
Guest author: Dr. Abdelhamid al-Siyam
القذافي: سقوط انفرادي محتوم لملك ملوك أفريقيا وعميد الحكام العرب
عبد الحميد صيام
في عام 1992 قام وفد صغير من الأمم المتحدة بالوصول إلى خيمة القذافي جنوب طرابلس وقام رئيس الوفد الروسي الجنسية بتسليم العقيد رسالتين واحدة من الأمين العام بطرس بطرس غالي يدعوه فيها للتعاون مع المنطمة الدولية في مكافحة الإرهاب وتسليم المتهمين عبد الباسط المقراحي والأمين خليفة فحيمة كما نص القرار الذي اعتمد للتو 731 (1992). أما الرسالة الثانية فكانت موجهة للعقيد من عضوين دائمين في مجلس الأمن وقد طلب من الوفد تسليمها فقط كأمانة. تلك الرسالة التي غيرت سياسة القذافي الخارجية من زعيم داعم للثورات وحركات التحرر إلى رئيس دولة صغيرة وقع في شرك الدول الكبرى وليس أمامه إلا أن ينصاع انصياعا كاملا لما هو مطلوب منه دون مناقشة أو اعتراض. وتحمل الرسالة سبعة عشر شرطا طلب من العقيد تنفيذها بالكامل كرزمة واحدة لا مجال للمساومة أو الاختزال أو التخفيف منها. وبقاء النظام أو انهياره كان الفرق بين تنفيذ سلة المطالب تلك أو عدم تنفيذها.
إذن بعد حادثة لوكربي عام 1988 شعرالعقيد أنه وقع في الفخ وأن الأمريكان والبريطانيين لن يغفروا له هذه الجريمة، واقتنع أن نظامه الشمولي الغريب من نوعه لا يستطيع البقاء أمام ضغط أمريكي بريطاني حقيقي، فاختار الاستسلام والخنوع المذلين لإملاءات السياسة الأمريكية البريطانية دون نقاش أو حق اعتراض.
في السبع سنوات التالية ولغاية تسليم المتهمين في نهاية عام 1999 عمل العقيد على تنفيذ كل ما جاء من إملاءات أمريكية بريطانية مقابل عدم الإطاحة بحكمه. تخلى عن الفصائل التي كان يدعمها وقدم قوائم وكشوفات بكل الجماعات التي تدربت في ليبيا أو تلقت مساعدات منها من الجيش الجمهوري الإيرلندي إلى ثوار المورو في الفلبين وصولا إلى كافة الفصائل اللبنانية والفلسطينية والأفريقية وأوقف كل برامج ودراسات ومعامل تتعلق بأسلحة الدمار الشامل وكشف عن الخبير النووي الباكستاني عبد القدير الذي ساعد ليبيا ودولا أخرى في إنشاء برامج نووية وأغلق معسكرين للتدريب ذكرا بالإسم وأبدى استعداده للتعامل مع إسرائيل حيث أرسل قافلة مكونة من 200 ليبي للحج إلى مدينة القدس في الأول من شهر حزيران (يونيو) عام 1993 والهدف بالتأكيد لم يكن للتقرب إلى الله من ساحات المسجد الأقصى بل التقرب إلى إسحاق رابين في تل أبيب لكن مغامرته المكشوفة هذه باءت بالفشل الذريع. بل وذهب أبعد من ذلك عندما قام في أيلول (سبتمبر) عام 1995 بطرد 30,000 فلسطيني وصادر أملاكهم ورمى بهم على الحدود مع مصر ليتبث للغرب أنه انتقل بالفع لا بالقول إلى جانب الولايات المتحدة وحليفتها إسرائيل بل إنه أشد قسوة على الفلسطينيين من إسرائيل نفسها.
كان يتمنى القذافي لو أن تسليم المتهمين سيحل الأزمة إلا أن بريطانيا وأمريكا لم تكونا في عجلة من أمرهما خاصة وأن مجلس الأمن كان تحت سيطرة الدولتين تماما بعد انهيار الاتحاد السوفييتي. في السنوات السبع تلك شهد نظام القذافي ضعفا وتفككا ومعارضة داخلية واسعة وذلك لأسباب ثلاثة:
أولا: الانصياع الكامل لإملاءات الولايات المتحدة وبريطانيا وتبديد بلايين الدولارات للتعامل مع الأزمة وخاصة بعد الحصار الذي فرض على ليبيا
ثانيا: زيادة القمع غير المحدود
ثالثا: المغالاة في تأليه شخصيته للتغطية على إذلاله وانصياعه الكاملين.
القمع منذ البداية
محنة الشعب الليبي مع هذا المهرج المصاب بجنون العظمة ليست جديدة بل تعود إلى البداية عندما فشل في تسويق نفسه كزعيم قومي ووريث شرعي لعبد الناصر. ثم تحول إلى قائد أممي مع بداية عام 1977 وأطلق ما سمي الكتاب الأخضر والنظرية الثالثة وأعاد تسمية البلد وغير أسماء الأشهر وغير التاريخ الهجري وكاد أن يتلاعب في آي القرآن الكريم. تعامل مع المعارضة بمنتهى الوحشية حيث بدأ يعلق المعارضين على أعواد المشانق أمام الناس وفي مداخل الجامعات ليرهب الناس ويزرع الخوف في قلوبهم. وأدخل البلاد في حروب فاشلة بهدف تفتيت ما تبقى من الجيش مرة مع مصر عام 1977 ومرات عديدة مع تشاد ابتداء من عام 1978 إلى غاية عام 1987 ومرة مع تونس عندما دعم تمردا سيطر على مدينة قفصة في الجنوب عام 1980.
وكلما أوغل العقيد في مسخرة اللجان الشعبية وتأسيس ما سماه أول جماهيرية في التاريخ كلما زادت نسبة التبرم الشعبي وبالتالي يوغل في سفك الدم والتقتيل والتعذيب ليس فقط داخل حدود البلاد بل وفي الخارج أيضا. واستطاع عبر توزيع الرشاوي أو الخداع أن يستدرج أويختطف عددا من المعارضين في الخارج ليفرمهم في الداخل. وكان السيد منصور الكيخيا، وزير الخارجية الأسبق والممثل الدائم لليبيا في الأمم المتحدة أبرز هؤلاء الرموز. فقد تم اختطافه من مصر أثناء مشاركته في مؤتمر عن حقوق الإنسان عام 1993 وتصفيته فورا، خاصة وأن اختطافه تزامن مع محاولة اغتيال العقيد في "بلد الوليد" البعيدة 100 كم جنوب شرق طرابلس حيث تم إعدام نحو 1500 من أبناء البلد.
لقد استطاع القذافي أن يخمد المعارضة الليبية بالعنف المفرط وتهميش الجيش خوف الانقلاب والإغداق علــى رجال الأمن الجهلة الذي أخرجهم من المدارس ولا يعرفون شيئا إلا التسبيح والحمدلة للعقيد.
بعد إعادة تأهيله من قبل الدول الغربية ابتداء من عام 2001 وبعد أن دفع التعويضات الهائلة لضحايا الطائرتين الفرنسية والأمريكية وبعد أن سلم مجلس الأمن رسالة خطية يعترف فيها بمسؤوليته عن حادثة لوكربي- بدأ القذاقي يغالي في تأليه نفسه متجها بملايينه إلى الدول الأفريقية بعد أن ابتعد عنه العرب شعوبا وحكومات. بدأ يتحدث وكأنه يمسك بين يديه ناصية التاريخ والفلسفة والحكمة والعلم والدين. فوضع حلا لقضية فلسطين ضمنه في كتابه الأبيض وأسمى الدولة "إسراطين" لكن أحدا لم يأخذ برأيه، وأعلن أن حلول مشاكل العالم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية كلها موجودة في كتابه الأخضر الذي لم يقرأه أحد خارج جماهيريتيه لتفاهته ودعا إلى وحدة اندماجية لكل الدول الأفريقية وأطلق جائزة لحقوق الإنسان وكان أول الفائزين بها، ثم أصبح كاتب قصة ومنح نفسه لقب ملك ملوك أفريقيا وعميد الحكام العرب ومفجر ثورة الجماهير وصاحب أول جماهيرية في التاريخ. وكلما أوغل في تأليه نفسه كلما زاد العالم ازدراء له وتعاظم تململ الشعب الليبي من هذا المهرج المستبد.
السقوط الانفرادي
ليس من الغريب إذن بل ومن المنطق، عندما هب الشعب الليبي الطيب الصبور ليعلن نهاية حكم الطاغية، أن يجد العقيد نفسه محاصرا دون أصدقاء لا في الممالك الأفريقية ولا عند القادة العرب ولا عند ثوار أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية الذين يدعي أنه قائدهم ولا عند الدول الإسلامية التي يدعي أنه يتصدى باسمها لحرب صليبية جديدة. ها هو قائد جماهيرية الوهم محاصر في باب العزيزية دون أنصار ودون أصدقاء ودون أتباع. يترنح قبل السقوط النهائي ولا يجد حوله أحدا إلا بعض أبنائه وحفنة من زبانيته الفاسقة ومن تبقى من المرتزقة الذين استأجرهم لذبح شعبه. وكغيره من الطغاة، لن يجد في هذا الكون من يذرف دمعة عليه بل ستسري موجة من الفرح لدى أبناء الشعب العربي كلهم وفي أولهم أحفاد عمر المختار الذي أذلهم وبدد ثرواتهم وأمعن في احتقارهم وخاصة عندما قرر نقل رفات أسد الصحراء من بنغازي إلى بلدة سلوق في مجاهل الصحراء عام 1980 وإقامة سوق تجاري مكانه لأن الطاغية لا يعترف بتاريخ لليبيا قبل انقلابه المشبوه في الفاتح من أيلول (سبتمبر) 1969. ولن يمر وقت طويل قبل أن نرى ليبيا خالية من صوره وكتابه وأفكاره البلهاء وشعاراته الجوفاء ويعود الشعب الليبي الطيب الصبور المتسامح جزءا عزيزا من أمته العربية يعيش حالة سلام مع الذات ومع الآخرين ويستغل إمكاناته الهائلة لتنمية بلده ومساعدة أمته وترميم الخراب الذي تركه نظام فردي شمولي كاسر أهلك البلاد وأذل العباد لمدة 42 سنة.
____________________________________
أستاذ دراسات الشرق الأوسط والعلوم السياسية بجامعة رتغرز بولاية نيوجرزي
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
No comments:
Post a Comment