Monday, September 28, 2015

The Decline of the Islamism and Emergence of National Identity in Iraq: A Dialectical Approach. What has the protest movement achieved up to now? What is its future path?

Guest contributor, Dr. Faris Kamal Nadhmi, is Professor of Social Psychology, Salahaddin University, Arbil, Kurdish Regional Government, Iraq

 
جدلية أفول الأسلمة وبزوغ الوطنياتية في العراق
ماذا حققت الحركة الاحتجاجية السلمية حتى الآن؟
وما مساراتها القادمة المحتملة؟

 ما يحدث في بغداد ووسط البلاد وجنوبها منذ منتصف شهر تموز 2015 وحتى اليوم من انضباط سلوكي وجمالية تعبيرية أبداها العراقيون في احتجاجاتهم السلمية ضد فساد السلطة وطائفيتها، يعدّ معجزة أخلاقية بالمقارنة مع التهتك الضميري لسلطة الدين السياسي. وهو ما يمكن توصيفه بأنه خروج متريث وتدريجي من زنزانة الطائفية العقيمة الخانقة إلى الفضاء الوطني المدني اللانهائي. فالوطن ليس فكرة رومانسية عابرة بل ضرورة تطورية آدمية ملحّة!

هذا البزوغ الباهر للهوية الوطنية العراقية يؤكد أن ثمة تحولاً دراماتيكياً قد بدأ للتو في المناخ السياسي الذهني لهذا المجتمع، دون نكران أو تجاهل أن مراكز السلطة الفاسدة ستخرج كل ما في جعبتها من أساليب كبح هذا التطور وإيقافه وتشويهه بل وقمعه أيضاً!
التيار المدني الوطنياتي هو الاكثرية الصامتة التي بدأت تنطق. أما التيار الإسلاموي الطائفاني فهو الأقلية الناطقة التي بدأت تفقد الصوت !هذا ليس تفكيراً رغبياً بالتمني، بل رصداً لتقلبات الهوية الاجتماعية وجدلية دينامياتها الكامنة والمتراكمة والواعدة. يقول كارل ماركس: ((إن الناس هم الذين يصنعون تاريخهم الخاص؛ إلا أنهم لا يفعلون ذلك عشوائياً ضمن شروط من اختيارهم، بل ضمن شروط معطاة مسبقاً وموروثة من الماضي((.

وفي الوقت نفسه، فإن النزعة اليساروية الاجتماعية الكامنة في الشخصية العراقية، العابرة للطبقة والدين والعرق، باتت تؤسس اليوم فعلها الأول في خارطة المستقبل السياسي. فالفرد العراقي راديكالي بتكوينه النفسي، وإذا ثُلم كبرياءه الوطني لمدة طويلة، علمانياً كان أم إسلامياً، تفجرت يساريته الإصلاحية! لكن النخب المتأسلمة الحاكمة لا تعرف كل ذلك لأنها بلا تراث وطنياتي، وبلا جذور نابتة في ثقافة المجتمع، ولأنها سلطة مصطنعة لم تنتج عن المسارات السوسيوسياسية التي نشأت منها فكرة العراق !

وقبل التطرق لديناميات الظاهرة الاحتجاجية الحالية، لا بد من التوكيد أولاً أن النص الحالي يتبنى الفرضية القائلة أن سلطة الأسلمة السياسية الحالية في العراق تعدّ بنية مغلقة غير قابلة للإصلاح الذاتي من داخلها، وهي تفترس نفسها بنفسها، دون أن تتمكن من الاستفادة والتعلم من أي تجارب سياسية أو آليات ديمقراطية مرّت بها، إذ يعزى ذلك إلى نزعتي الاستبداد والفساد اللتين تغلغلتا فيها حد التجذر النهائي. ولذلك فإن تحليلنا سينحو أكثر باتجاه استكشاف المسارات والمآلات النفسية والاجتماعية الواعدة التي فتحتها هذه الاحتجاجات على مستوى استعادة الفرد العراقي لدوره تدريجياً في المشاركة السياسية الفاعلة لتأسيس دولة المواطنة الرشيدة التي ما 
 برحت أجيال من العراقيين تحلم بها على مر التاريخ المعاصر لهذه البلاد.

كما يتبنى هذا النص فكرة أن اليقظة العراقية الحالية لا يجدر أن يُنتظر منها أن تنجح في إقناع نظام متهريء وعاجز بتقديم ما هو مفتقد إليه كلياً ونهائياً، بل يرتجى منها أن تؤسس سياسياً وسيكولوجياً لمرحلة ما بعد هذا النظام.

ما الذي أفلحت الاحتجاجات السلمية بتحقيقه حتى الآن؟
على الرغم من اقتصار هذه الاحتجاجات على بغداد ومحافظات الوسط والجنوب فقط، بسبب احتلال تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) لبقية المحافظات ذات الأغلبية السنية الديموغرافية، ولتمتع إقليم كردستان باستقلال سياسي شبه تام عن الدولة العراقية، إلا أنها نجحت في إنجاز عدد من المهمات الجوهرية التي كانت تعدّ حلماً عزيزاً لملايين اليائسين من أي إصلاح.

بحسب الرؤية التحليلية للفعل السوسيوسياسي التراكمي، فإن هذه الموجة الجديدة من الاحتجاجات تعدّ امتداداً نوعياً لـ"انتفاضة الكهرباء" في حزيران 2010م، وانتفاضة "جمعة الغضب" في 25 شباط 2011م. إلا أن ما يميز الذهنية الشعبية الموجهة لهذه الموجة الجديدة، أنها تمتلك كافة مقومات الوعي المعارض الذي اتسمت به الانتفاضتان السابقتان، ولكن بنسب تكوينية أعلى جعلت 

تأثير هذه المقومات يشتد ويطغى هذه المرة ما ولّد تطوراً نوعياً في معنى الاحتجاج وزخمه.

فالاحتجاجات السابقة كانت قد ارتكزت في حراكها السلوكي على إدراك المحتجين لخمسة مقومات أساسية، ولكن بنسب معتدلة وغير حاسمة، مع طغيان النزعة المطلبية الخدماتية:
1-      النظام السياسي مسؤول عما أصابهم ويصيبهم من مظالم.
2-      الأوضاع القائمة غير شرعية، وتوجد ضرورة واقعية وأخلاقية لإزالتها.
3-      الفوائد الناجمة عن الاحتجاج تفوق الكلف التي قد تتمخض عنه.
4-      لديهم الفاعلية السياسية للنجاح بتحقيق أهدافهم.
5-      إن تغيير الأوضاع بات أمراً ممكناً وقابلاً للتحقق.
أما الموجة الحالية فقد اتسمت بارتفاع ملحوظ – وأحياناً شديد- في النسب التكوينية لهذه المقومات الخمسة، خاصة في مسألتي تجريم النظام السياسي ونزع شرعيته، مضافاً لها مقوّمان إدراكيان جديدان:
6-  تفتح فريد للنزعة الوطنياتية المرتبطة بإدراك عميق أن إنقاذ البلاد صار مقترناً بمغادرة الدولة الطائفية (خبز .. حرية.. دولة مدنية).
7-  الوعي الساخر من التدين الزائف الذي تمارسه السلطة لابتزاز عواطف الناس وأصواتهم الانتخابية. وبمعنى أدق إدانة الأسلمة السياسية بوصفها وسيلة لا أخلاقية لشرعنة الفساد ونهب المال العام وافتعال الصراعات المجتمعية (باسم الدين..باكونا الحرامية).

وبعيداً عن الأهداف السياسية المباشرة، يمكن تلمس سبعة تحولات حققتها الحركة الاحتجاجية لحد الآن:  
1.  نزع الهالة اللاهوتية المزيفة: تم بنجاح وسلاسة إطلاق سراح "الله" المعتقل في سجون أحزاب الإسلام السياسي منذ 12 عاماً، إذ عاد الرب إلى مكانه التقليدي الأمثل في قلوب الناس وضمائرهم وسلوكهم الاجتماعي، وما عاد بالإمكان تسويقه كهنوتياً – بنفس السهولة السابقة- لابتزاز الإرادة السياسية للمواطن. وبمعنى أدق، فإن الوعي الشعبي قد أطاح بالهالة اللاهوتية المزيفة المحيطة برموز تلك الأحزاب، وأبطل كل قدسية أو اعتبار فوق العادة لهم! وهنا يبرز السؤال الملح: ما الجدوى إذن من وجود أحزاب دينية غادرها الله، بل تحرر منها؟!

2.  تنام ملحوظ في الفاعلية السياسية للفرد العراقي: حدث ذلك في مقابل تراجع في عجزه واغترابه السياسي المتَعَلّم والمترسخ منذ عقود. وهذه الفاعلية الاحتجاجية الناعمة لم تتفتح إلا بتأثير بزوغ متزامن للهوية الوطنية التي طال تغييبها. فكل الدراسات السيكوسياسية الميدانية الموثقة عالمياً ومحلياً تشير إلى وجود تلازم عجيب بين انبعاث الهوية الوطنية واشتداد النزعة الاحتجاجية البناءة!

3.  بروز "سيكولوجية التعرية": إذ وجد رموز النظام السياسي الحالي أنفسهم عراة مفضوحين على نحو مفاجيء وغير متوقع في نظر جمهورهم الذي فتح للتو عيونه. فبعد كل الحيل والتدليسات التي جرى ممارستها لأكثر من عقد من الزمن لتعمية البصيرة المجتمعية المقهورة والمستلبة، استيقظ العقل الجمعي وما عاد بالإمكان إعادته إلى حالة السبات السابقة.

4.  الحراك السوسيوسياسي يتخذ منحى طبقياً: فمنذ الآن، بدأ هذا الحراك بالتحول البطيء من هويته الطائفية المتمذهبة إلى هوية اجتماعية ذات ملامح طبقية اتضحت في انقسام صنّاع الحدث إلى فئتين تصنفان على أساس القدرة على امتلاك موارد الحياة: (ظالمون ومظلومون/ متخمون ومحرومون/ سرّاق ومسروقون). وهذا التحوّل في الوعي الشعبي إنما يؤشر أن قوانين الصراع السياسي في العراق قد بدأت باتخاذ منحى أكثر عقلانية وجدوى من الناحية التطورية، إذ لطالما شكّل الوعي الطبقي المتنامي مدخلاً مؤكداً إلى البدء بإعادة أنسنة الحياة على أساس النوع البشري الموحد لا على أسس الهويات الإثنية المتخيَّلة.

5.  افتراق المرجعية النجفية عن التأسلم السياسي: الموقف الذي عبّرت عنه هذه المرجعية في الدعوة للإصلاحات الجذرية - بصرف النظر عن مناقشة الغايات البعيدة لهذا الموقف المتأخر زمنياً-، يشكل نقطة افتراق غير مسبوقة بين البنية الفوقية العقائدية للاحتجاج العَلَوي التقدمي عبر التاريخ (ممثلة بالمرجعية السيستانية حصراً)، وبين الأداء الرث والرجعي للأحزاب المتأسلمة المتلفعة بالعباءة العلوية. هذا الافتراق الذي طال انتظاره، سيشكل بمرور الوقت آلية ضاغطة لاستعادة الهيبة العلوية المتضررة بفعل الفساد الإسلاموي، إذ أصبح من المسلّم به أن حفظ هذه الهيبة – لمن أراد أن يحفظها- ما عاد ممكناً إلا في ظل الدولة المدنية العادلة!

6.  بروز تقارب ميداني بين اليسار المدني واليسار الديني: يمكن الحديث منذ اليوم وبتوكيد أكثر من السابق، عن ضرورة التنسيق الاحتجاجي بين هذين اليسارين. فالمادة البشرية الديناميكية التي حركت الشارع العراقي خلال الأيام الماضية، كانت مزيجاً فريداً من كل العقائد والمذاهب والطبقات والمهن والتوجهات الحياتية. وقد ثبت بالملموس أن النزعة اليساروية الاجتماعية ذات الجذر السيكولوجي في الشخصية العراقية، إنما هي متوافرة لدى المتدينين وغير المتدينين على حد سواء!

7.  انبعاث حلم الدولة المدنية الرشيدة: إذ أصبحنا أقرب من أي وقت من هذا الحلم. ولا يقصد هنا القرب السياسي التنفيذي -بعيد المدى-، بل القرب النفسي الاقتناعي الماثل في التحول الدراماتيكي للرأي العام العراقي. وهنا تكمن الثقة الكبيرة بأننا قد دخلنا بالفعل مرحلة الموت السريري لسلطة الأسلمة السياسية في العراق!
كيف يمكن تحليل سلوك السلطة حتى الآن حيال الحركة الاحتجاجية؟
المؤشرات السيكولوجية الأولية لشخصيات زعماء الإسلام السياسي في العراق عامة، تؤكد أنهم يفتقرون -من بين خصائص كثيرة- لأربع خصائص جوهرية هي: الواقعية العملية، والاستجابة السريعة، وإدراك الزمن، وجرأة الفرسان!

يضاف إلى ذلك أن المتأسلمين سياسياً في كل مكان، هم في الغالب قدريون ورغبيون حينما يتعلق الأمر بمصير سلطتهم، إذ يمارسون كل أنواع "الإنكار" و"الإسقاط" ليوهموا أنفسهم أن أي خطر يحيط بهم إنما مآله الزوال بقدرة قادر. وذلك مرده بنيتهم العقلية القائمة على عزو الظواهر إلى الساكن المجهول لا إلى المتحرك المعلوم!

لقد تعودوا أن ينظروا إلى التاريخ على أنه حكاية دينية مؤمثلة ينتصر فيها الخير "الذي يمثلونه" على الشر "الذي يمثله من يعارضهم"، لا بوصفه نتاجاً تطورياً للانتقال التدريجي والعسير من الوعي الزائف إلى الوعي المعارض. وهذا التصلب النفسي ممزوجاً بعدم القدرة على التعلم من التجارب، سيفعل فعله في العراق أيضاً، إذ سيظلون موهومين أن "قدرة قادر" ستنقذهم في آخر المطاف!
إن كروموسومات وجينات التأسلم السياسي بأنواعه لا تقوى على الصمود لحقبة تاريخية طويلة لأنها لا تتفاعل مع قوانين الفيزياء الاجتماعية..
وبتحليل مماثل لسلوك رأس الحكومة (أي رئيس مجلس الوزراء الحالي) فإنه يبدو مصاباً -من الناحية السياسية- بما يمكن تسميته بـ"عقدة الصومعة الحزبية"، إذ يجد أماناً عصابياً مزيفاً داخل زنزانة حزبه حد العجز النفسي عن الخروج إلى الأفق الوطني العام للتصرف بوصفه رئيس السلطة التنفيذية لكل البلاد، عبر اتخاذ قرارات مصيرية لمحاسبة الفاسدين في حزبه ممن يشغلون مراكز سيادية في الحكم، واتخاذ ستراتيجية جذرية لإصلاح النظام السياسي المنخور. فالحزب هنا يمارس وظيفة "الطوطم والتابو" في العقل الباطن لهذا الرجل، أما الوطن والدولة فلعل ليس لهما سوى وظيفة عاطفية إشباعية لديه فحسب.

ومع ذلك لا بد من الإقرار أن هذا الرجل لديه نوايا طيبة، بحكم تنشئته البغدادية الكرادية التي منحته نزعة تعاطفية ملموسة حيال الناس وآلامهم. لكنه -ومنذ أن استلم المنصب- مشوش التفكير، ينقصه الإدراك الشامل والموسوعي لأوضاع البلاد وللحظة التاريخية الماثلة تحديداً. ما يزال متردداً كشأنه طوال السنة المنصرمة من حكمه. ولاءه الحزبي يمثل هاجساً "ضميرياً" صلباً يستحيل عليه تجاوزه باتجاه فضاء الوطن المدني الموحد. وفوق كل ذلك لا تنقصه نرجسية كامنة تفلت منه أحياناً حينما يستطرد في الحديث عن "مزاياه" الشخصية ومآثر والده الطبيب المعروف مدير مستشفى الجملة العصبية قي الخمسينات!

وبنظرة محايدة غير متعجلة، يمكن الافتراض أن رئيس مجلس الوزراء الحالي إذا تمكن من التوفيق بين مفاهيم الحزب والدولة والوطن على نحو متسق وجريء وديناميكي وسريع ، فسيكسر حاجز عقدة الصومعة الحزبية ويغادر زنزانته الإسلاموية الرثة. وبخلافه -وهو الأكثر احتمالاً- فسيستمر بالمماطلة والتسويف والتردد ليكمل مهمة سلفه في الإجهاز الكامل على فكرة العراق... الوطن والذاكرة والهوية!
ما التحالفات والرؤى المطلوبة خلال القادم من الأيام؟
في ضوء عدم تبلور مطالب محددة متفق عليها في التظاهرات السابقة؛ وفي ضوء تراجع المطلب الجوهري والفوري بتشكيل حكومة خبراء (تكنوقراط)؛ وفي ضوء تشتت الرؤية الموحدة المرتجاة من هذه الاحتجاجات سواء في بغداد أو في مدن الوسط والجنوب؛ وفي ضوء التباين الواسع في اللغة المطلبية للتظاهرات بين قطبي التشدد والمرونة؛ وفي ضوء تلكؤ الإصلاحات الحكومية وحالة التردد والتذبذب التي تتسم بها شخصية رئيس الوزراء وسعيه لاستبدال الأفعال الملموسة بالأقوال الرنانة؛ يبرز تخوف جدي محتمل لا مفر منه: هل ستتحول ساحة التحرير بمرور الوقت إلى "هايد بارك" أسبوعي للتطهر النفسي وتصارع الأفكار فحسب، بما يفقدها زخم التأثير الذي حققته في بدايتها في إرعاب السلطة وإرغامها على تقديم تنازلات معينة باتجاه الإصلاح؟!

هذا التساؤل له ما يبرره آنياً ومستقبلياً بحكم ارتياح الحكومة الواضح لبقاء الحركة الاحتجاجية السلمية في إطار محدود ومتوقع مكانياً وزمانياً هو "ساحة التحرير/ يوم الجمعة"، ما يسهّل عملية رصد رموزها وتحديد تحركاتها والاعتماد على عامل الزمن لتفريغها من طاقتها!

ولأجل تلافي هذه الاحتمالات، تبرز عدة مقترحات متزامنة:

1- تشكيل حكومة خبراء (تكنوقراط) هو المفتاح المركزي للإصلاح: فهذا المطلب باستيزار خبراء مستقلين عن القوائم السياسية المتمذهبة – وهو ما دعت إليه المرجعية النجفية أيضاً- يعدّ حجر الزاوية في الإمساك بدفة التغيير الحقيقي، إذ سيفتت لأول مرة "قدسية" المحاصصة الطائفانية، ويقود بدوره إلى إصلاحات دستورية وبرلمانية وقضائية حقيقية. فالمطلوب هو إعادة تفعيل هذا الشعار بوصفه المدخل الأساسي المؤدي موضوعياً وبالتدريج إلى بقية الإصلاحات. وهنا تكون الحركة الاحتجاجية مطالبة بتقديم أسماء محددة لمرشحيها الخبراء لشغل الكابينة الوزارية الجديدة، وهذا ما يتسق مع تقاليد كل الحركات الاجتماعية الساعية للتغيير، عالمياً وحتى عراقياً في حقبة الخمسينات من القرن الماضي. ويتطلب ذلك أن يتوافق المحتجون في ساحة التحرير على تقديم قائمة بأسماء شخصيات مدنية تكنوقراطية لامعة، غير حزبية، بالتركيز على (12) وزارة أساسية هي: المالية، والنفط، والخارجية، والكهرباء، والعدل، والتربية والتعليم، والصحة، والتجارة، والنقل والاتصالات، والعمل والشؤون الاجتماعية، والصناعة، والزراعة؛ بمعدل (3) أسماء لكل منصب وزاري، إذ يمكن لرئيس مجلس الوزراء انتقاء ما يراه مناسباً من بين هذه الأسماء المرشحة لكل حقيبة وزارية.

2- التحضير لانبثاق كيان سياسي مدني جديد من ساحة التحرير: أهم الخطوات على طريق إدامة الزخم الاحتجاجي وتثبيت دوره التحويلي للحياة السياسية، أن يتحول منسقوه وطلائعه ومؤيدوه المدنيون إلى كيان سياسي متماسك له رموزه ومسمياته وخططه وغاياته وآلياته. ولعل أبرز ما ميّز الحركة الاحتجاجية في أسابيعها الأولى، بوصفها حركة اجتماعية عفوية إصلاحية، هو كارزماتيتها الجمعية غير المشخصنة بمسميات فردية أو حزبية أو مذهبية أو ايديولوجية معينة، وكان ذلك من أسباب شرعيتها وأحقيتها وقوتها ونجاحها لكونها عابرة لأي تخندقات قد تجعلها عرضة للتشكيك أو التخوين. إلا أن ضمان استمرار الزخم الاحتجاجي وتنوع أشكاله، يتطلب حتماً تأسيس إطار سياسي أخلاقي يحدد له تكتيكاته الآنية وستراتيجياته القادمة. ودون هذا الإطار التمثيلي والوظيفي ستنطفيء الحماسة ويسود اليأس والعدمية وتنكسر الفاعلية، خصوصاً في ضوء حالة الموت السريري التي يمر بها النظام السياسي المغلق، والفاقد لإمكانيات الإصلاح الذاتية، والعاجز عن الاستجابة لمطالب المحتجين.
 
3- حماية الحركة الاحتجاجية من النزعة "الكرنفالية": يلاحظ أن هذه النزعة باتت تغلب في تظاهرات يوم الجمعة، ما يجعلها أقل تأثيراً في إزاحة الأحداث نحو المآلات المطلوبة. ويتطلب هذا من الجهات التنسيقية أن تتلافى ذلك عبر التأكيد على الهوية السياسية الحادة للتظاهر من خلال الأداء الجمعي الموحد للهتافات والشعارات، والتقليل قدر الإمكان من الممارسات ذات الطابع الاحتفالي الفرداني الذي ترتاح له السلطة وتطمئن. النزعة الجذرية (الراديكالية) ذات الأداء السلمي هي ضمانة مهمة لاستمرار التأثير الكارزماتي والسياسي للحركة. وفي كل الحالات تبقى الخسائر والتضحيات أمراً لا يمكن تلافيه إذا ما كان هناك إصرار على بلوغ الأهداف الإصلاحية بل الإنقاذية لأوضاع البلاد ومستقبلها. وأي تضحيات ستقع إنما ستسهم بالضرورة في نزع ما تبقى من شرعية النظام السياسي الحالي المتهالكة.

4- الدعوة لكتلة سياسية تاريخية: في زمن الكوارث السياسية الكبرى، تبرز دوماً فكرة "انطونيو غرامشي" حول إمكانية تأسيس "كتلة تاريخية" بين التيارين المدني والديني لإنقاذ البلاد، بحسب خصوصية كل مجتمع ودرجة تطوره السياسي والاجتماعي. الايديولوجيات المتضاربة لا تنبع بالضرورة من سيكولوجيات متضاربة. فالمحروم المتدين لا يختلف عن المحروم غير المتدين في بنائه الانفعالي المتضرر جراء الظلم والإفقار والتهميش، لكنهما قد يختلفان في كيفية تسبيبهما لحالتهما وفي مدى تسويغهما أو عدم تسويغهما لها.

ففي تظاهرة 28 آب 2015 المليونية في ساحة التحرير، التقى التياران المدني والديني (الصدري تحديداً) في كيفية تسبيبهما للظلم الاجتماعي الماثل، وفي وعيهما الاحتجاجي بالفقر والحرمان والذل، ضمن إطار وطنياتي موحد وغير مسبوق في عاطفته وغاياته، قائم على أساس القواسم المطلبية الكبرى المشتركة التي تتضاءل عندها الاختلافات الايديولوجية في لحظة إنقاذ وطن يتفكك وينهار. أليست هي اللحظة المناسبة لانبثاق كتلة تاريخية – بشقيها المدني والديني- ذات توجه يساروي اجتماعي، تعمل على تأطير الاحتجاجات الحالية في مسارات تنظيمية فاعلة لضمان استمرارية زخمها، وتحديد ستراتيجية توجهاتها القادمة؟!

هذه الكتلة يمكن أن تتسع لتشمل كل التيارات العقلانية والإصلاحية والشخصيات المثقفة والأكاديمية من مختلف التوجهات، بما يمنحها حصانة سياسية وأمنية ضرورية بوجه التهديدات والتحديات الماثلة، فمحاولات إجهاض الحركة الاحتجاجية عبر الاغتيالات والتسقيط السياسي والتخويف والإغراء قد بدأت، وستشتد في المرحلة القادمة. هذه الكتلة العابرة للطائفية، ستكون مرشحة لاكتساح الانتخابات القادمة سواء كانت مبكرة أو متأخرة!

التيار المدني الذي يعود له الفضل الأول في قدح شرارة الاحتجاجات، مطالب بتأسيس كيان سياسي مدني من رحم الاحتجاجات من جهة –وهو ما تم التطرق إليه في النقطة (2) السابقة-، وهو مطالب أيضاً من جهة أخرى بالانفتاح على الفئات والتيارات الدينية شبه المدنية ذات النزعة الوطنياتية الشعبوية غير الملوثة بفساد السلطة، بما يتيح تفكيك الحاجز الآني الصلب بين الطائفة والوطن، لتنظيم نشاطات احتجاجية جديدة أكبر كماً وأعمق نوعاً. فالعمل الاحتجاجي الجمعي ليس تنفيساً تطهرياً فحسب بل هو قبل كل شيء شرارة طموحة لاجتذاب كل المعنيين بغايات الاحتجاج من صامتين ومترددين وعاجزين وعدميين. فاستعادة العراق تمر أولاً وأخيراً باستعادة هويته الوطنية، وهو هدف تكتيكي وستراتيجي معاً يتحقق تدريجياً عبر محو دؤوب للمسافة القاتلة بين الدين والوطن!

جدلية الأفول والبزوغ
إن شرعية السوسيولوجيا العراقية المدنية الاحتجاجية باتت تنمو بتريث وثبات في الوعي الوطني الجمعي كل ساعة، فيما تنهار بسرعة شرعيةُ نظام الأسلمة السياسية في نفوس أصحابه قبل نفوس الناس!
وقد أفلحت الحركة الاحتجاجية الحالية أولاً – وقبل أن يتحقق بالفعل أي إصلاح أو تغيير حقيقي مرتقب- في رد الاعتبار التاريخي إلى الإنسان العراقي، وأعادت للكبرياء الوطني – المثلوم منذ عقود- عزته ورومانسيته. فالمكان العراقي العام لطالما كان موحشاً ووحيداً وخائفاً، لكنه اليوم بات يحتفل ويحتفي بعودة الإنسان إليه. وحتى إذا انتكست الحركة الاحتجاجية الحالية لأي سبب، فإنها قطعاً أفلحت في التأسيس لوعي مستقبلي أشد جذرية وأقرب قطافاً!

لا أظن أن ساعة المنطقة الخضراء ستتمكن من اللحاق في نهاية الأمر بتوقيتات الحركة الاحتجاجية الناهضة، فالساعة تنكسر، والزمن حي أبداً. ومن يستطيع أن يلتقط اللحظة التاريخية الحالية، سيصنع منها زمناً آمناً ورحيماً بعذابات هذا الشعب!


سبتمبر 2015

Saturday, September 12, 2015

Assessing the Threat Level of the Islamic State in Libya

Guest Contributor, Dr. Alaya Allani, is Professor of  Modern History at Manouba University in Tunisia.  An earlier version of this post appeared in, The Arab Weekly, September 11, 2015.


From January through Au­gust, 2015, the number of Islam­ic State (IS) followers in Libya doubled. The rapid expansion of the IS in Libya and its threat to the region deserve more scrutiny. 
Islamic State terrorists executing Ethiopian Christians in Libya, April 2015
Not much is known about IS’s beginnings in Libya, other than it took ad­vantage of a time of weak central authority. weak national identity and the absence of na­tional political consensus.

Politically, the movement touts “universal jihad” and is known for the rapid deployment of its forces and its brutal cruelty. IS fighters quickly took over Sirte and vital infrastructure and institutions earlier this year. The extreme cruelty with which its fighters carry out executions has been widely publicized.

The Islamic State parades through Muammar Qaddafi's home town of Sirte, Feb. 2015
The organization's international dimension can be seen in the di­verse Arab nationalities of its lead­ership and the fluidity of change among leaders.  This year five IS leaders in Libya were killed. Abu Bara al-Yemeni was the first.  His death was followed by the assassination of Imad Sahd, a Libyan.  Subsequnelty, Muftah al-Ghuwaiel, the head of the assas­sination section of IS, was killed, followed by Basheer al-Darsi, another Libyan. The fifth leader to be killed was the Saudi, Abu Azzam al-Jazrawi. None of the kill­ings weakened the movement. Each time a leader fell, he was quickly replaced.

The current leader of the IS in Libya goes by the nom de guere, “al-Khazemi,” and is thought to be a Yemeni national. He is supposedly act­ing as a governor and representative of IS head Abu Bakr al-Baghdadi. Meanwhile, the logistics section is headed by Abu Nabil al-Anbari, an Iraqi. Many nationalities make up the movement. In the area of al-Qardabiya, near Sirte, Tunisians, Saudis, Yemenis, Iraqis and others rub shoulders.

The rapid deployment of IS in a strategic area such as Sirte, in the middle of the Libyan coast, is a sign that the movement has a spe­cific plan that starts with occupying large areas in Libya and will soon threaten neighboring countries. 
The Islamic State flag on the Ougadougou Conference Center, Sirte, March 2015

Read more here: http://www.mcclatchydc.com/news/nation-world/world/middle-east/article24781465.html#storylink=cpy

What is really frightening is that ISIS ideology is starting to take root in many Libyan cities. This situation may seem normal considering the absence of legitimate authorities and their services. To satisfy needs, people simply turn to the strongest hand available.

Reports in areas under ISIS influ­ence indicate a growing adherence by local populations to the ideals of a caliphate and their acceptance of takfiri ideology, including the kill­ing of opposing groups.

In this respect, researchers have demonstrated that Salafist and takfiri ideologies, such as the ones held by IS and al-Qa'ida, are the direct offspring of Muslim Brotherhood ideology. The latter meets with the former in rejecting any national boundaries of the Islamic umma and believes in the universal character of the Islamic state.

This ideological belief explains, in large measure, how extrem­ist religious movements in Libya have easily accepted leadership from non-Libyans, because it is con­comitant for those who accept the IS' ideology to accept the removal of territorial or tribal boundaries and unconditionally adhere to "universal jihad." Sooner or later, the IS ideology in Libya will represent a threat to neighboring countries. Preventive measures must be taken, including increased border patrols and con­trols, improved intelligence gath­ering and fighting smuggling, the backbone of IS financing in Libya.

Credible reports cite two main sources of IS funding. The first is the spoils of war resulting from raiding “enemy” territory or acts of bandit­ry known in jihadist jargon as ihti­taab. Sources have reported the disap­pearance of $36.6 million en route from the Central Bank of Libyan to Sirte. Rumurs point to the IS's Libyan leadership.  The IS also derives substantial in­come from selling drugs, hallucino­genic pills and arms.

Given the IS's presence, Libya’s political future is dark indeed. The danger is not so much the IS's terrorist acts, as it is that other Libyan factions are fighting each other rather than pre­senting a unified front against the terrorist movement. If Libyan factions do not steer away from fratricidal policies and accept the principle of power shar­ing, ISIS will swallow up whatever is left of the Libyan territory.

The IS's continued control of a large area of Libya will eventually lead to the creation of a “no man’s land” along the country’s borders. Recently, a Libyan border patrol unit withdrew from the Egyptian border. This disturbed Egyptian border authorities who fear a degrading of their surveillance system and it is feared there will be an increase in arms smuggling into Egypt.

Algeria has doubled the number of soldiers on its Libyan border and Tunisia began building a sand-and-dirt wall along its frontier at a cost of more than $51 million.

Let’s not forget that Arab League decisions have not gone beyond the level of rhetoric and propaganda. It will become increasingly necessary to tackle the situation in Libya through multiple re­gional conferences aimed at bring­ing various factions in the Libyan conflict — except the jihadists — to the negotiation table.

If that approach fails, the security threat in the region will increase day by day until it will no longer  be able to be circumvented.  This in turn will push other North Afri­can countries to invest in weapons rather than desperately needed development projects.