Saturday, July 5, 2014

Can Iraq Choose between Partitiion and a Civil State? هل للعراق أن يختار بين التقسيم والدولة المدنية؟

Jawad Salim, Freedom Monument, Liberation Sq., Baghdad
Guest contributor, Dr. Alaya Allani, is Professor of
Contemporary History at Manouba University, Tunisia

د.علية علاني – جامعة منوبة – تونس.
أكاديمي وباحث في الجماعات الإسلامية وخبير في القضايا الاستراتيجية
نشر في مجلة "المجلة" في 01 يوليو 2014
سيبقى يوم 10 يونيو 2014 مطبوعا في ذاكرة العراقيين أولا وبلدان المنطقة ثانيا.
فالأحداث تسارعت في هذا البلد منذ يوم 10 يونيو بشكل فاجأ البعض ولم يفاجئ البعض الآخر. داعش هذا التيار الإرهابي القديم الجديد بالعراق تصدّر الأحداث في وسائل الإعلام الوطنية والعربية والدولية. فالعراقيون تآلفوا منذ مدة طويلة مع التفجيرات والعمليات الإرهابية اليومية لكنهم لم يهضموا كيف تحولت من اعتداءات متفرقة، إلى ما يسميه البعض شبه غزو للبلاد و وينعته البعض الآخر بالثورة الداخلية فالذي حصل أمر جلل ؟ والذي سيحصل لا يقل أهمية. فهل أصبح نظام الحكم في العراق بعد رحيل الأمريكان غير قادر على إشاعة الإستقرار والأمن؟ وهل أن ما حصل من تأزم أمني في الاشهر الأخيرة يعود إلى عوامل داخلية وخارجية أو الاثنين معا؟ وهل أن ما حصل يوم 10 يونيو 2014 وما بعده يؤشر إلى خريطة جديدة في العراق؟ وخريطة جديدة في الشرق الأوسط؟ وهل أن تداعيات الحرب السورية ستكون أحد أهم العوامل الهامة في التأثير على العراق سلبا أو إيجابا؟ ما هي أبرز مآلات الحرب الدائرة حاليا في العراق وتداعياتها على الوضع الداخلى والإقليمي؟
إرهاب متعدد الألوان
العراق بسكانه الثلاثة والثلاثين مليونا هو بلد الحضارات والأديان والمذاهب وتعدد الثقافات وبلد النفط أيضا،[1] يجد نفسه اليوم أمام أخطر أزمة لا تقل حدة عن حرب 2003، بلد له كل مقومات الإقلاع الاقتصادي والثقافي بحكم التنوع العرقي والمذهبي والثراء في الموارد، لكنه غارق في الديون والاقتتال. ففي عهد صدام حسين لم يخرج  من كلاكل الحكم الفردي الذي أدى به إلى مغامرات حربية كلفته وكلفت العراق غاليا لأن حرب الخليج الأولى والثانية أعادت العراق إلى مربع الدول المُولّى عليها. لكن الحاكمين الجدد لم يستخلصوا الدرس لأنهم لم يتوصلوا إلى اختيار الطريق الأسلم نحو بناء عراق ديمقراطي مدنى وحداثي.
كانت التنظيمات الإرهابية تسعى إلى تقويض الإستقرار الأمني بدعوى محاربة الوجود الأمريكي في العراق من ابو مصعب الزرقاوي إلى القاعدة في بلاد الرافدين  ونشأة جماعة الدولة الإسلامية في العراق في 10 تشرين الأول / أكتوبر 2006 إلى الدولة الإسلامية في العراق والشام سنة 2013 التي تزامنت مع تطور الحرب في سوريا،[2] لكن نشاط القاعدة لم يجد المسؤولون العراقيون له من حل سوى إنشاء الصحوات. واستفاد المالكي كثيرا منها حيث أبلت الصحوات بلاء حسنا في طرد القاعدة من العراق مقابل إغداق الدولة أموالا عليها ووعودا بتنمية المناطق السنّية. لكن المالكي و ما أن زال خطر القاعدة حتى تراجعت حكومته في التزاماتها نحو الصحوات و أوقفت الأجور التي كانت تدفعها لهم وغيّرت من أسلوب معاملتها لسكان هذه المناطق اعتمادا على توجه يغلب عليه الطابع الطائفي. وازدادت الحالة سوءا في المحافظات السنية سواء في مجال ارتفاع نسبة البطالة أو سوء الخدمات، بالإضافة إلى الاهانات التي يتعرض لها السكان والفاعلون السياسيون حسبما ورد في بعض التقارير ، فكان ذلك أحد الدوافع الرئيسية في عودة التوتر بين سكان هذه المحافظات والحكومة المركزية، وأخذ هذا التوتر أشكالا متعددة من الاحتجاج. ولم تكن القاعدة بعيدة عن العنف والقتل وزرع الرعب بل وجدت بيئة حاضنة وظروفا ملائمة زادتها الحرب السورية اشتدادا.
الإرهاب في العراق بين عنف داعش وغياب الحوكمة:
تزامن انسحاب آخر جندي أمريكي من العراق في كانون الأول ديسمبر 2011 مع اندلاع انتفاضات الربيع العربي  وبداية الحرب في سوريا. وكان القليل من الباحثين من تفطّن إلى حقيقة هذا الربيع العربي؟ هل جاء فعلا من أجل الإنخراط الجماعي في مشروع الديمقراطية ومنظومة حقوق الانسان أم كان مقدمة لتحولات اقليمية عميقة في منطقة شمال افريقيا والشرق الأوسط؟
لم تكن الحكومة العراقية مرتاحة كذلك، والحق يقال، لهذا الربيع العربي الذي انتقده نورى المالكي مرارا.[3] كما لم تترك الحرب السورية أي إمكانية لبسط الحكومة العراقية لنفوذها على المحافظات الثائرة، وأصبحت التفجيرات شبه اليومية في بغداد والمدن الأخرى مشهدا معتادا. وكانت أخبار داعش التي تقدر التقارير الأجنبية عدد مقاتليها بين 5 آلاف في سوريا و 6 آلاف في العراق[4] تثير استغراب المتابعين للشؤون الأمنية في الشرق الأوسط ، حيث زاد نسق العمليات الإرهابية بشكل يكاد يكون يوميا قبل 10 يونيو 2014 ولا شك أن المسألة تتجاوز داعش. فالغاضبون كثيرون من غير داعش بدءا بالعشائر الذين وقع تهميشهم، مرورا بجيش الطريقة النقشبندية وإنتهاءا بجيش الراشدين وكتيبة العشرين وأنصار البعث ومختلف الفصائل السنية المسلحة.
هذه المجموعات في نظر المحللين اضطر بعضها للتحالف مع داعش في ظل انسداد أبواب الحوار بينها وبين الحكومة العراقية. لكن يجدر التذكير أن الطيف السني ليس كله متورطا في التعامل مع داعش مثلما أن الطيف الشيعي ليس كله متناغما مع سياسة المالكي. وبالتالي فإن اندلاع المعارك في 10 يونيو 2014 كان نتيجة متوقعة لسياسة الابواب الموصدة بين السلطة المركزية والمعارضة السنية. بل أن الخلاف امتد كذلك إلى المجموعة الكردية خاصة في الفترة الأخيرة بسبب الاختلاف حول مسألتين : مسألة إلحاق كركوك بمناطق الحكم الذاتي الكردي ومسالة حق الحكومة الكردية في عقد صفقات مع الشركات البترولية دون الرجوع إلى موافقة حكومة بغداد.
إن سياسة الإقصاء وغياب الحوكمة وارتفاع نسبة الفساد المالي والإداري تشكل أرضية خصبة لراديكالية المعارضة. فالمتضررون كثيرون من كل الطوائف والمذاهب و في مقدمتهم التيار السني. والجدير بالذكر أن العراق لم يتخلص في الحقيقة من ظاهرة الفساد منذ عقود، ففي الثمانينات من القرن العشرين بُددت موارد البلاد و إمكانياتها الاقتصادية في حروب عبثية لا طائل من ورائها، و في التسعينات ازدادت نسبة الفساد مع وضعية الحصار الدولى الذي عاشه العراق  فانخفض دخل الفرد وأصبح الارتشاء والمحسوبية عملة رائجة للتغلب على تكاليف المعيشة المرتفعة. وبعد تغيير نظام الحكم في 2003 كان الأمل قويا في تفادي أخطاء النظام السابق لكن ما حصل هو أن الدولة الجديدة ورثت أسلوب رجال الدولة القديمة في التصرف المالي والإثراء المشبوه حيث كانت السيطرة على الثروات تتم دون مراقبة أحيانا ودون إصدار تشريعات تقضى في العمق على جذور الفساد، وصُنّف العراق في السنوات الأخيرة كثالث دولة في الفساد حسب منظمة الشفافية الدولية[5]. كل هذه العوامل زادت من حالة الغليان والاحتقان، لأن عراق ما بعد صدام لم يدخل نادي البلدان الديمقراطية رغم تعدد العمليات الانتخابية لأن المنطلق كان خاطئا منذ البداية إذ ما تزال العقلية الطائفية في الحكم متفوقة على عقلية دولة المواطنة فكانت النتيجة ما نراه اليوم. ولم تنفع الـ 41 مليار دولار التي خصصتها الحكومة العراقية خلال سنوات 2011-2014 لدعم القوات المسلحة في رد خطر الإرهاب[6]  بل رأينا انسحابات مذهلة لقادة عسكريين يوم 10 يونيو 2014 اضطرت حكومة بغداد أن تحيلهم على القضاء العسكري.
هل يشهد العراق والمنطقة سايكس بيكو جديد ؟
تحدّثت بعض الدراسات عن سايكس بيكو أول وثاني لمنطقة الشرق الأوسط قبل 10 يونيو 2014. فالأول كما هو معلوم كان في 1921 عندما تم اقتطاع لواء الاسكندرونة من سوريا و أعطي لتركيا، أما سايكس بيكو الثاني فكان فكرة ومشروعا لم يتم إنجازها ارتبطت بالربيع العربي مع حكم الإخوان المسلمين في تونس ومصر وليبيا، وامكانية تمدد حكمهم إلى دول أخرى. فكان هذا المشروع الإخواني يترجم حسب هذه الدراسات عن " امتداد حكمهم من المغرب العربي إلى حدود العراق بحيث تشمل تونس – ليبيا – الجزائر – المغرب – مصر – الأردن- سوريا بالتنسيق مع تركيا وقطر "[7].
وسقط هذا المشروع، كما يقول أصحاب هذه الدراسات، بسقوط مرسي الذي لو بقي لكانت نُذُر الحرب الأهلية في نظرهم، تطال دولا عربية كثيرة. ومما ساعد في وأد هذا المشروع الدعم الخليجي وخاصة السعودي والإماراتي والبحريني لنظام الحكم الجديد في مصر. وبالتالي يرى مُعدّو هذه البحوث أن مشروع تيار الإسلام السياسي بعد الربيع العربي كان يهدف إلى أبعد من مسألة الوصول إلى الحكم، بل كان الهدف يتمثل في إحداث تغيرات جيواستراتجية عميقة في المنطقة.
هل بالإمكان تفادي سايكس بيكو جديد ؟
 إن تغير كثير من المعطيات على الأرض في المعارك الدائرة حاليا في العراق يفرض أن يكون الحل قائما على مرتكزات موضوعية لتفادي مشروع تقسيم العراق، و أبرز هذه المرتكزات :
-       تشكيل حكومة عراقية موسعة بدون رئاسة المالكي.[8]
-       وضع خارطة طريق تنظم العلاقات بين مختلف الطوائف والمذاهب تبدأ بترضيات للسنة والأكراد وتنتهي بإصدار تشريعات تعزز التوجه نحو دولة المواطنة الحقيقية.
-       مقاومة ومنع كل الميليشيات المسلحة خارج إطار الدولة عند حصول الاتفاق.
-       منع اي تدخل خارجي في العراق سواء كان أمريكيا أو إيرانيا، لأن اي تدخل خارجي يحمل تبعات وتكون له تداعيات.
-       توحُّد كل الأطياف السياسية في العراق حول مشروع واضح لمقاومة الإرهاب يبدأ بالقضاء على جذوره الاجتماعية والسياسية والإيديولوجية وينتهي بإقامة وفاق واسع حول أمهات القضايا. وفي هذا الإطار تصبح مقاومة إرهاب داعش ومن كان على شاكلتها ضرورة وطنية و اقليمية لأن تمدد هذه الفصائل داخل العراق وخارجه يهز استقرار كامل المنطقة.
- الإسراع بتشكيل حكومة وحدة وطنية لأن ذلك سيُجنب العراقيين مآسي كثيرة. وهناك قيادات قادرة على تحمل رئاسة الحكومة في هذه الفترة مثل السيد عمار الحكيم أو إياد علاوي أو غيرهما، وقد قابلت الحكيم منذ 3 أشهر و كان متحمسا لمشروع دمقرطة العراق ولمست لديه رغبة أكثر في التعاون مع دول الخليج لإحداث توازن بين الشق القريب من إيران والشق القريب من دول الخليج. وأعتقد أن حكومة بها الحكيم وعلاوى وأنصار المالكي وقيادات بارزة سنية وكردية تكون قادرة على امتصاص مخاطر التقسيم. لأن هذا التقسيم سيكون كارثة لا على العراق فحسب بل على دول المنطقة أيضا. وأعتقد أن إيران لن تمانع في مثل هذا الحل لأن مصلحتها على المدى المتوسط والبعيد لن تكون في دولة طائفية.
مآلات الحرب في العراق وطنيا وإقليميا ودوليا.
على المستوى الوطني :
بقدر ما يقع الإسراع بالجلوس إلى مائدة التفاوض بقدر ما تكون التداعيات أقل حدة، وعراق الغد يُسطّره الحوار الوطني الذي لا يستثني أحدا، سواء كان عراقا مركزيا أو فيدراليا أو شبه فيدرالي. لكن الأهم هو النجاح في تشكيل حكومة يقبلها الجميع ويكون لها برنامج سياسي واقتصادي واعد يقضي تدريجيا على التهميش والفساد، ويحقق فرصا أكبر للتشغيل وهذا شرط ضروري لعودة إشعاع ثقافة التعايش التي افتقدها العراقيون في السنوات الأخيرة. ويُستحسن أن تتضمن الحكومة كوادر مقتدرة من التكنوقراط في وزارات التنمية الجهوية والاقتصاد الوطني، ويُستحسن كذلك الشروع في ضبط استراتجية أمنية جديدة تجعل الأمن والجيش جمهوريا بحق في خدمة المجتمع ويتم انتقاء قياداته على أساس الحرفية غير المؤدلجة، لأن ضمان بقاء اي دولة يكمن في وجود جيش قوي محترف والتفاف شعبي حول خيارات هذه الدولة عندما تكون قائمة على المواطنة الحقة.
على المستوى الإقليمي :
إن الإسراع بالمصالحة الوطنية سينعكس حتما على الوضع الاقليمي. وبالتالي فإن عودة الدولة العراقية للسيطرة على حدودها وخاصة مع سوريا سيُمكّنها من تحجيم داعش وباقي التنظيمات الراديكالية في انتظار الوصول إلى حل سياسي للنزاع السورى بعد أن اتضح أن الدول الكبرى غير قادرة أو لا ترغب في الحسم العسكري في هذه الحرب. لكن بقاء الجرح السورى مفتوحا سيؤثر بشكل مباشر على العراق حتى لو أمّن هذا الأخير حدوده، لأن القضاء على إرهاب داعش ومثيلاتها يستغرق وقتا أطول. إن العراقيين السّنّة الذين ساندوا المالكي في حرب الصحوات لا يريدون أن يُخدعوا ثانية لذلك نجد أن مساندة الحكومة القادمة ستكون على أساس البرنامج لا على اساس الوعود. وبالتالي فإن تحمّس العراقيين السنّة لطرد الإرهابيين سيكون متزامنا مع ما يرونه من تغيير على أرض الواقع.
أما دول الخليج و في مقدمتها السعودية فإنها لن تمانع لا في قيام حكومة وحدة وطنية ولا في منح ترضيات حقيقية للمحافظات السنية. وترى السعودية وحلفاؤها كذلك أن من مصلحتها التعاون من أجل منع تمدد التيارات المتشددة دينيا. ولا يختلف موقف مصر مع موقف دول الخليج بما في ذلك قطر التي حاولت مؤخرا التصالح مع مصر[9] ولعل ذلك سيساعد في تطويق الظاهرة الإرهابية بالمنطقة (البعض الآخر يرى أن قطر في طريقها إلى رفع يدها عن مساندة التيار الإخواني بالعالم العربي). وبخصوص إيران، هناك مؤشرات على تغيير ستقدم عليه إيران مستقبلا في العراق لأن النقد الموجه إليها يأتي من الطيف الشيعي قبل السني. فإيران متهمة من طرف بعض المعارضين الشيعة بأن لها مصلحة في وجود عراق ضعيف تتحكم في خيوطه، ولذلك يمكن لإيران أن تعدل سياستها في هذا الاتجاه.
 وتؤكد عديد النخب العراقية حاليا أن لا أمل في العودة لما كان عليه العراق قبل 10 يونيو و أن تعامل إيران مع جار قوي ومستقل افضل من التعامل مع جار تابع. وبالتالي فالإيرانيون لا يعدمون ذكاء في التعامل مع المستجدات الراهنة بالعراق بالطرق التي تحفظ مصالحهم ومصالح باقي الأطراف.
·      وبخصوص تركيا فإن مصالحها تفرض عليها تشجيع المصالحة الوطنية حماية لهذه المصالح.[10] وتعرف تركيا أن صفحة الإسلام السياسي طُويت، على الأقل لسنوات طويلة، وأن البراغماتية السياسية تقتضي التحالف مع دول المنطقة لتطويق خطر الإرهاب والحفاظ على مصالحها الحيوية القومية. ويُتوقع بعد هدوء عاصفة المعارك في العراق أن يجتمع مسؤولو كل من إيران وتركيا والسعودية للتباحث في مستقبل الأمن بالمنطقة و في مقدمتها الوضع في سوريا ولا ننسي أن دعوة وزير الخارجية الإيراني إلى الرياض تبقى مفتوحة في انتظار الظروف الملائمة، كما جدد الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون دعوته يوم 20 يونيو 2014 للسعودية وإيران للجلوس إلى مائدة التفاوض والتباحث في الخيارات التي تجنب المنطقة تداعيات الفوضى الأمنية والإرهاب.
على المستوى الدولي :
لا شك أن الولايات المتحدة الأمريكية بصدد إدخال تعديلات على سياستها الشرق الأوسطية بعد انفتاحها على ايران وبعد امتناعها عن إرسال قوات برية إلى العراق. وبقدر حسم الولايات المتحدة في مسألة مقاومة داعش والإرهاب في العراق، وهي مساندة سياسية في نظر الحكومة العراقية لم ترتق إلى مساندة على الميدان، فإنها تركت نوعا من المرارة لدى حكومة بغداد التي كانت تأمل في مساعدة على الأرض[11]   لكن ذلك لا يعني أن الولايات المتحدة تنسحب من المشهد العراقي والشرق الأوسط عموما نظرا لتشابك مصالحها بالمنطقة عموما، وهي مصالح أمنية جيواستراتجية واقتصادية، لكن الذي تغيّر هو طريقة الوصول إلى تحقيق هذه الأهداف، فهل ستتوصل الولايات المتحدة إلى تحقيق معادلة الإبقاء على مصالحها بالتوصل إلى حلول بأقل التكاليف والخسائر في ظل مشهد دولي شديد الغموض؟ وهل أن تباطؤ الوصول إلى حل في الملف النووي الإيراني حاليا مرتبط بالمتغيرات الجيو استراتيجية القادمة في المنطقة؟ وهل أن محادثة بوتين الهاتفية يوم 20 يونيو 2014 مع المالكي للتعبير عن مساندته المطلقة له في حربه على الإرهاب يترجم عن تحول جزئي للمكون الشيعي في علاقاته بروسيا من خلال تمتين تحالفه مع روسيا مثلما فعل السيسي عندما تضايق من خذلان أمريكا له في حربه على الإخوان. ويبدو أن أمريكا وأوروبا تتحرك اليوم على رمال جد ساخنة لأنها تتخوف من صدمة بترولية جديدة تؤثر في ارتفاع أسعار النفط إذا اتخذت الحرب في العراق منحى حرب أهلية طويلة، في حين لا يزال هذا الغرب يعيش على فوبيا  إمكانية تعطل تمويله بالغاز الأوكراني الذي يؤمن حوالي 20 بالمائة من حاجيات أوروبا. 
 أما الصين وروسيا فإنها تعتبران أن ما حصل في العراق فشل للسياسة الأمريكية في المنطقة ويدعو هذا البلدان لمقاومة الإرهاب داخل العراق وخارجه والإسراع بانجاز المصالحة الوطنية.
إن الخطر الذي يجدر الانتباه له هو أن أخطار الحرب الأهلية في العراق تكمن في أن تيارات الإرهاب ستصبح صناعة رائجة يتم إعدادها في مخابر متعددة تنتشر بسرعة إقليميا ودوليا بما في ذلك دول الخليج من أطراف وأطراف مضادة.
وإجمالا فإن عودة الهدوء والأمن إلى العراق تصبح ضرورة عراقية وخليجية وعربية ودولية. ويبقى هذا الهدوء مرهونا بتنازلات كل الأطراف والابتعاد أكثر ما يمكن عن خطابات التجييش التي لا تزال على أشدها في الوقت الحاضر. ورغم أن مخاطر التقسيم ما تزال حاضرة بقوة فإنها يمكن أن تؤدي إما إلى قيام دولة كردية مستقلة في أقصى الحالات أو إلى الاعتراف للأكراد بتوسيع صلاحيات الحكم الذاتي والاعتراف لهم بضم كركوك والمناطق التي سيطروا عليها مؤخرا إلى حكومتهم الحالية مع تمكين هذه  الحكومة من حرية التعاقد الكامل مع الخارج في الثروات النفطية. وفي المقابل فإن استفادة السّنّة من الحراك الأخير ليس واضحا ولا مضمونا، كما أن مشروع التقسيم مساوئُه بالنسبة لهم أكثر من محاسنه على المدى الطويل. ولذلك فالعراق على مفترق طرق ولن يكون الحل إلا سياسيا كما أن سياسة الترضية تجاه السنّة والأكراد ستزيد العراق قوة وستكون دولة المواطنة التي يمكن أن تُنجز على مراحل هي الضامن الرئيسي والأساسي لعودة العراق دولة موحدة وقوة إقليمية مشعة بمدنيتها وديمقراطيتها وانفتاحها على الأجوار وعلى العالم.




[1] يعد العراق ثالث بلد في العالم يملك احتياطيا نفطيا، يصدر حاليا حول 3 ملايين برميل وله قدرة على تصدير بين 7 و 7.5 مليون برميل يوميا.
[2] أسس أبو مصعب الزرقاوي سنة 2004 جماعة التوحيد والجهاد وبعد مقتله في 2006 تم تأسيس الدولة الإسلامية على يد أبو عمر البغدادي الذي قتل بدوره و يخلفه حاليا ابو بكر البغدادي الذي غير إسم التنظيم إلى الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) منذ 2013.
[3]يعتبر المالكي أن الربيع العربي تحول إلى وباء وكارثة على الأمم العربية بكافة دولها ( القدس العربية – 9 يناير 2014)
[4]  النهار في 10 حزيران 2014 و أعتقد أن هذا الرقم مبالغ فيه نسبيا.
[5]  مصطفى سليم، حكومة الفساد، موقع الحرية الإخباري بتاريخ 11/03/2012 .
[6] انظر موقع ايلاف بتاريخ 13 يونيو/حزيران 2014

[7] انظر الموقع الالكتروني " منتديات وادي نجران" بتاريخ 26 أكتوبر 2013 ، رابط المقال : http://www.wadi32.com/vb32/showthread.php?t=110237

 يعتبر بعض المحللين أن تصريح المالكي يوم 20 يونيو 2014 بعدم تخليه عن تشكيل الحكومة العراقية القادمة لا يساعد على حلحلة الأزمة[8]
[9] أوردت صحيفة "المصريون" بتاريخ 18 يونيو 2014 أن جهاز قطر للاستثمار  (الصندوق السيادي لدولة قطر) دخل في مفاوضات مع الحكومة المصرية لبناء مليون وحدة سكنية بمصر.
[10]  يقدر التبادل التجاري بين تركيا والعراق بـ 10 مليار دولار سنويا وببن إيران والعراق بـ 11 مليار دولار سنويا. لكن الملفت للنظر أن تركيا تريد أن تطرح مسألة كركوك على طاولة المفاوضات القادمة.
 10-نصح مستشارو أوباما هذا الأخير بعدم التدخل العسكري الأمريكي في العراق واعتبروا أن ذلك سيعيد الولايات المتحدة إلى مستنقع الحرب من جديد، كما أن استطلاعات الرأي العام الأمريكي تعارض بشدة أي تدخل عسكري أمريكي في النزاع العراقي  

No comments: